الثلاثاء، 11 فبراير 2020

مسرحية بيجماليون لتوفيق الحكيم: من الأسطورة الإغريقية القديمة

 مسرحية بيجماليون لتوفيق الحكيم تقوم على الأسطورة الإغريقية المعروفة. قامت الشخصية الرئيسية بنحت تمثال عاجي لامرأة فكانت جالاتيا، و فيها أثر كبير للفن و الإبداع. و لأنه تمنى الحب دعا فينوس، إلهة الحب و الجمال، أن تهب الحياة لجالاتيا فصارت زوجته تحاوره و تكلمه. ولكن خذلته و هربت مع غيره و سخط على الحياة السخيفة التي منحتها إياها فينوس. فتدخل أبولون، إله الفن و الفكر، بأن وهبها ما ينقصها من الروعة، فعادت إليه تواسيه و لا تفارقه. سعد بيجماليون بحب زوجته و لكن ما لبث أن تحسر على فنه الخالد، تمثاله ذا التعابير اللامحدودة. فدعا الآلهة أن تعيد له تمثاله. فهل فضل الفن الخالد على الحياة الفانية؟
في المسرحية رموز لمعنى الفن و الحياة و الخلود و الفناء مع إطلالة فلسفية على علاقة الخالق بمخلوقه. يجمع توفيق الحكيم بين بساطة الكلمة، عمق الفكرة و متعة القراءة !  

ثلاثة فصول في مسرحية بيجماليون  لتوفيق الحكيم

الفصل الأول

بيجماليون هو عبد أبولون الذي أعطاه الفن و الفكر فصنع تمثالا من العاج لامرأة اسمها جالاتيا و كانت آية في الجمال و الإبداع. و قالت في ذلك فينوس، إلهة الحب و الحياة،  أنها
"قوة الفن التي يستطيع بها الهالك أن يخلق الخالد"
لقد حرمته فينوس من هباتها فكان عيشه بعيدا عن حب المرأة دافعا ليصنع امرأة بيديه. دعا بيجماليون فينوس بإلحاح أن تمنح جالاتيا الحياة فاستجابت له.  فنطقت جالاتيا، رفلت في البهو، و كان الحوار حوار زوجين متحابين، الكلام بسيط و بريء يعكس صدق المشاعر. تقول:
"قل لي أيضا أنك تحبني ! " فيقول لها: "لقد أحببتك قبل أن توجدي...إن حبي لك هو الذي أوجدك" 
و في سؤالها عن عمله قالت:
"إنك زوجي منذ أن عرفتك...و مع ذلك لم يخطر لي أن أسألك عن عملك !"     
فقال:
"إني أصنع التماثيل..".

الفصل الثاني

في الفصل الثاني من المسرحية، نرى بيجماليون حزينا إذ فقد جالاتيا بعد هروبها مع نرسيس. فقال لإيسمين التي حثته على السعي للبحث عنها أنه لم يعد له بها شأن. إذ قالا:

"بيجماليون: كيف نمقت عملنا الذي صنعنا بخير ملكاتنا..
إيسمين: كل عجبي هو لانصراف هذه المخلوقات عن خالقيها !..
بيجماليون: و فيم العجب ؟.هل ارتفع مخلوق يوما إلى فهم خالقه؟.."

فذلك يرمز إلى الحب الغير مشروط  الذي يكنه الخالق لمخلوقه، و إلى أن تمرد المخلوق عن خالقه وارد إذ أنه لا يرقى بعلمه إلى مرتبة الخالق المبدع المفكر. رغم هذا الوعي، نرى بيجماليون يسخط على الآلهة فينوس التي نفخت الروح في جالاتيا ففقدها و لم تعد قريبة منه فلم يعد يراها و تراه كل يوم ! فقال أن روعتها منه و أن الآلهة فينوس هي التي أفسدت جمالها.
ثم نلمح تقدم مركبة اللآلهة و هي تحمل فينوس و أبولون. لام أبولون فينوس على فعلتها. إذ قال أن حياة الفن الساكنة التي منحها بيجماليون في التمثال العاجي كانت أرفع من الحياة المتحركة الشاحبة الـتي وضعتها فيها. فأجابته:
"فينوس: هنالك أشياء لا تستطيع أن تراها..لا أنت و لا هو !..
أبولون: لن تنكري على الأقل أننا نستطيع أن نرى الشيء الجميل "!

و كانت نتيجة النقاش أن طلبت منه أن يمنح حياة جالاتيا ما ينقصها من الرفعة و الروعة  فاستجاب، و لهذا الغرض قال أبياتا شعرية عازفا على القيثارة. فعادت جالاتيا توقض بيجماليون من نومه بقبلاتها و تناديه بالعظيم ! طفقت تواسيه و تقول أن عليها البقاء إلى جانبه دائما. لم يكن يعبر عن حبه لها و لكن كان مندهشا. طالبته أن يفصح عما في خفايا نفسه فسكت. و لما سألها أن تفتح له نفسها علقت أنه من العجيب أن تطلب الآلهة من مخلوقها الإفصاح عما في نفسها، و إذا طلب المخلوق من آلهته الإفصاح سكتت الآلهة.  فقال:
" إنما على البشر أن يقرؤوا، و أن يفهموا و أن يفسروا...كل على قدر فطنته و تفكيره و إدراكه" 
صارت جالاتيا تشعر بأنه إلاه و أنها مخلوقته فصارت تحبه إذ صارت تدركه. فقال:
"أنت يا جالاتيا جديرة بي.. و بحبي !.."
وبسماع القيثارة أدرك سبب تغير مخلوقته الحبيبة  فنادى شاكرا لأبولون.

الفصل الثالث

في الفصل الثالث كان بيجماليون مستاء، غلبه الضجر، إذ لا يرى في زوجته الأثر لعمله الفني الخالد. صار يقارن بينها  و بين التمثال العاجي الذي ابتدعه برمته. ففي نظرة الزوجة معنى محدود و في نظرة جالاتيا العاجية إشراف على عالم غير محدود، فقال لزوجته: "كل ما فيك محدود، و كل ما فيها غير محدود! .." نبهته أنها ستكبر في السن و مآلها الموت و القبر فلم يطق الفكرة و علقت:
"لا لأنك تحبني..بل لأنها صدمة لكبريائك الفني !"
و في هذا الخطاب مقارنة طريفة بين الحياة التي تمنحها الآلهة و الفن الذي يبدعه الإنسان:
"يا سكان أولمب، في إمكانكم أن تعجنوا ذلك المزيج من الجمال و القبح و النبل و السخف و الارتفاع و الابتذال و تسموا ذلك حياة!..و لكنكم لن تستطيعوا أبدا أن تصنعوا مثلي ذلك الشيء المقطر المصفى الذي يسمى الفن.."
آل الأمر إلى أن دعا بيجماليون الآلهة أن يعيدوا له عمله و يأخذوا عملهم  فاستجاب الاثنان له.
 و لكن أمام التمثال العاجي العائد،  صار حزينا لرؤية صورة ميتة لزوجته، كالأرمل يتحسر و يقول :
"آه إني قاتل زوجتي! ". كما قال: "أيهما الأجمل و أيهما الأنبل؟..الحياة أم الفن؟.."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحفيدة الأمريكية للكاتبة إنعام كجه جي: عراقية أم أمريكية؟

  ا لحفيدة الأمريكية للإعلامية و الكاتبة العراقية المقيمة في فرنسا إنعام كجه جي ، هي رواية صدرت سنة 2008 تضم 197 صفحة، رُشّحت لنيل جائزة ال...