الأربعاء، 30 سبتمبر 2020

ليالي المطر لحسن نصر: أقصوصات تونسية

ليالي المطر للكاتب التونسي حسن نصر هي مجموعة قصصية تعد 19 أقصوصة في 148 صفحة. صدرت سنة 1968. هي أقصوصات قصيرة كتبت بأسلوب بسيط و سلس تصف مشاهدا مستوحاة من الواقع. أهم المواضيع المطروحة: القطار، المطر، سباق الخيل، الفقر، الطفولة، الأم، المقهى، الشيخوخة، المقاومة. إليكم محتوى بعض الأقصوصات.

الطفل و السمكة

كان الطفل يقضي مدة كبيرة على الشاطئ ملقيا صنارته دون الحصول على سمكة واحدة. يومها تمكن من اصطياد سمكة كبيرة ذات ذنب عجيب جميل. تأسف لأن أصدقاءه الصغار لم يروها إذ أنهم تغيبوا عن البحر يومها. فكر أن أمه ستفرح بالسمكة، ستحضنه و ستقبله و ستقول لأبيه أن يشتري له قصبة صيد. نظرإلى سمكته و خمن أنها تتألم مطبقة فمها على الصنارة. فأعمل يده ليقلع الصنارة  و إذا بالسمكة تسقط لتأخذ سبيلها في الماء.

قطار الصباح

في ليلة حالكة و تحت الرذاذ الخفيف كان يسير في ارتخاء تحت أشجار الرصيف و تحت فوانيس شارع قرطاج. انعطف مع شارع البرتغال ثم تابع طريقه نحو محطة القطار. 

"الأمطار تتهاطل، تعانق المدينة،  تمسح الأسى عن ليلها الحزين..تلثم كل بقعة.. تنقر على الأبواب...على النوافذ، فتستحيل كل الشوارع، كل الأركان، إلى أنشودة"

 مر ببطحاء "المنجي بالي" التي كانت نظيفة و لامعة ثم دلف إلى قاعة الإنتظار بالمحطة. كان بعض الرجال جالسين. نهض أحدهم طالبا منه عود ثقاب لإشعال سيجارته.  خرج، توقفت المطر، رأى رجلا يقف وراء عربة صغيرة يبيع الحمص و الحلوى و السقائر. ففكر في الطفل الذي اشتريت من أجله تلك العربة.كان يقف جوار عمود الكهرباء، اقترب منه نفس الرجل الذي طلب منه عود الثقاب و سأله عن موعد القطار و كان سكرانا. 

عاد تدفق المطر. انتظر هدوءها ثم سار إلى الحديقة حيث تأمل التمثال. و هناك استرجع ذكراه مع صديقته زينب منذ عام أو يزيد. حينها  كانت هناك مجرد قاعدة لا غير. ثم سار نحو المحطة و هناك كانت الأضواء مطفأة فقد رحل القطار. كان نفس الرجل السكران هناك، فاته القطار فقال أنه سينتظر قطار الصباح. أما هو فقد خرج فابتلعه الليل.

لا شيء في الصورة   

يصعد الشيخ بصعوبة الدرج. توقف عند الردهة من الدور الأول يسترجع أنفاسه. هاله علو الدرج و ارتفاعه. سمع صوت دواليب العربات التي تجرها الخيل في الشارع فتذكر الحادث الذي أصابه في ذلك اليوم الممطر على الطريق الزلقة. استمر في الصعود فشاهد جروا لحقته سيدته الصغيرة التي كانت تقفز خفيفة حلوة. 
"كان يبدو، و هو يرقى الدرج، كأنه يتدرج على السير حديثا..حذاؤه العسكري القديم..و برنسه الأسود و الطربوش المتصل عند الرقبة بالبرنس الذي كان يغطي رأسه...و ظهره المنحني بشكل واضح، و هو يرقي وئيدا...عكازته تنقر الأرض نقرا رتيبا، و هو يتحرك كالشبح قصيرا نحيفا، في نصف الظل الذي تكونه الفتحة البلورية المطلة من أعلى الدرج."

وصل إلى عيادة الطبيب. كانت القاعة خالية و توقف بصره على رسم زيتي تأمله مفكرا :  "لا شيء في الصورة..لا شيء البتة..لا دواليب و لا عربة يجرها الحصان." 

طلب من الممرضة أن تدعو الطبيب لعيادة ابنته المريضة بالبيت، و كان لم يتم سداد بقية معلوم الفحص الفارط. غابت عنه ثم عادت قائلة أن الطبيب غائب و لا يمكنه أن يعود البنت. 

غرفة الأصدقاء

يتجول محسن في شوارع المدينة تحت المطر و يلتقي بصديقه القديم ثابت فيدعوه إلى بيته في نهج الباشا في مدينة تونس القديمة. كانا يلتقيان فيه، في الغرفة الدافئة االحبيبة، مع أصدقاء الدراسة. في تلك الأيام كان التلاميذ يخرجون في المظاهرات صارخين "يسقط الإستعمار". 
"كانت أيدينا تعلو و تنخفض، و رؤوسنا في السماء و نحن نصخب مندفعين كالأمواج الغاضبة...و الناس في الشوارع ينضمون إلينا...و ينادون معنا....و النسوة يحييننا و هن يبكين"

ثم انبعثت أنات الأمهات اللاتي فقدن أولادهن في المظاهرة. 

قال ثابت أن صالح قد اختفى، كان يبكي و كان محسن ينظر عبر النافذة إلى المطر. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحفيدة الأمريكية للكاتبة إنعام كجه جي: عراقية أم أمريكية؟

  ا لحفيدة الأمريكية للإعلامية و الكاتبة العراقية المقيمة في فرنسا إنعام كجه جي ، هي رواية صدرت سنة 2008 تضم 197 صفحة، رُشّحت لنيل جائزة ال...