السبت، 15 فبراير 2020

مذكرات بيرم التونسي في المنفى تصف طرائف الشاعر التونسي في فرنسا

مذكرات بيرم التونسي في المنفى هوكتاب يضم 117 صفحة، يروي ما عاشه الشاعر التونسي الأصل في منفاه في فرنسا إبان سفره لها سنة 1919.عرف الفرنسيين و الأجانب من العرب المغتربين وغيرهم. و صف ما رآه في المطاعم، المقاهي، الحانات، الشوارع، الشواطئ، الكنائس و في الأعياد السنوية للفرنسيين. عرف الشقاء في الأعمال المختلفة التي امتهنها و ذاق الجوع و التعب. و كان أسلوبه في الوصف طريفا و فكاهيا. 

الأعمال التي امتهنها بيرم التونسي في المنفى

إصلاح مركبات البضائع في معمل ريتشارد: و كان عمله يشمل فرز كميات من الأجزاء  الحديدية الصدئة المختلفة الأحجام التي تتكون منها المركبات. كانت الأجرة فرنكين في الساعة
غسل الصحون في مطعم شرقي بأجر قدره خمسة عشر فرنكا مع تناول العشاء.
الشغل في حظيرة "مرمة": يذهب اثنان من العمال لجلب الألواح الخشبية من كاميون مشحون. يخلط آخران السمنتو بالرمل و يبقى بيرم التونسي ينتظر قوالب الطوب الأحمر ليسلمها للبناء. أيضا كان يعد الجير و ينقل الأحجار إلى الكميونات. و كانت الأجرة أربعة فرنكات للساعة الواحدة.
في الملاحة: قُسمت مساحة الملاحة إلى مربعات و كانت مساحة الواحد منها عشر أمتار مربعة. و على العامل أن يحمل الملح المتراكم بالجارف ليكون كومة كبيرة وله عشرة فرنكات عن كل كومة. 

بعض الطرائف في مذكرات المنفى

 • الأكل المقرف في الباخرة:
"قذفت إلى البحر بطعام الغداء الذي أعطي لركاب الدرجة الرابعة و هو عدس أسود اللون فيه قطع بيضاء لامعة من شحم الخنزير"
الاكتظاظ على الباخرة:
"امتدت جميلة على سطح الباخرة الخشبي و امتدت بديعة بعكسها ثم تداخلتا بالأفخاذ حتى صارتا إحدى الصور التي في "كارتا" اللعب و بذلك نامتا في أمان"
القطيع: بين الجبال و المزارع سمع نغمات موقعة حسبها موسيقى عرس أو عيد من الأعياد. و لكن لما اقترب اكتشف أنه قطيع من الأبقار و الأغنام و الماعز كان في عنق كل منها ناقوس !
بصلة بيرم التونسي: في ليلة من ليالي الجوع و البرد، عثر تحت الكنبة على بصلة و لكن لم يكن يملك موقدا لطهيها. فلكي يشويها أخذ عود ثقاب من صاحب المنزل و أعد الوقود: قاموس، ديوان أبي العتاهية و مجموعة من الرسائل !
دلاعة الروسي (بطيخة):
"تناول دلاعة كبيرة  من جانب فراشه و فتحها بيده ثم مزقها أطرافا كأنها قطعة الخبز و جعل ينحتها فيغرق كل وجهه في القطعة و يسيل منه الماء كأنه يغتسل"

    

الأربعاء، 12 فبراير 2020

إلى ولدي لأحمد أمين : نصائح الأب لابنه المغترب في رسائل

إلى ولدي لأحمد أمين هي مجموعة مقالات وجه فيها الكاتب نصائحه و نتيجة تجاربه إلى ولده الذي كان يتم تعليمه في إنجلترا. نُشرت سنة 1950. و يقول في مقدمة الكتاب أنها عادة قديمة أن ينصح الآباء الأبناء كنصح لقمان لابنه أو كنصيحة الحكام لأولياء أمورهم كنصح عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري. و هذه لمحة عن محتوى بعض الرسائل.

رسالة إلى ولدي

1.     يتوجه أحمد أمين إلى ولده قائلا أنه خُلق لزمن غير زمنه و تربى في بيئة غير بيئته. لكن مهما تغير الزمان و المكان فإن الجمعيات البشرية ترجع إلى أصول واحدة فكانت
"تجارب السلف تفيد الخلف"
فقص شيئا من تجاربه التي تصلح لإفادة ابنه :
·         و من أهم تجاربه في الحياة قول الحق و تحري العدل، فذلك يكسب الإنسان راحة الضمير، ثقة الناس و حسن ظنهم. و لكن العديد فشلوا حين تمسكوا بهذه الفضيلة في سماجة إذ قالوا الحق في غير أدب و تحروا العدل دون لياقة. فتعلم اللباقة و اللياقة مع هذه القيم !
·         المال وسيلة من وسائل السعادة بشرط الطلب و الإنفاق في اعتدال. يجب ألا يصبح المال غاية أبدا فمن الناس من أضاعوا أعمارهم للمال.
·        الدين عنصر أساسي للسعادة:
 "يعجبني من الدين أن يكون سمحا لا غلظة فيه، و ألا يكون ضيق الأفق فيناهض العلم، بل يؤمن صاحبه أن له مجاله و للعلم مجاله"
2.     الدراسة في أوروبا و الاستفادة من الاغتراب: يريد أحمد أمين من ولده ألا يتبع الذين انغمسوا في اللهو و أذهبوا علمهم و ضميرهم، و لا الذين عكفوا على الدراسة في انغلاق دون أن تتفتح قلوبهم و ترقى عقولهم. بل حثه على أن يسير على منوال الذين:

 "فهموا أنهم إنما سافروا ليدرسوا علما و ليدرسوا خلقا يُحضرون لنيل الدكتوراه و يحضرون لشيء أسمى من الدكتوراه، و هو دراسة الحياة الاجتماعية في إنجلترا أو فرنسا أو ألمانيا أو أمريكا، و يبحثون عن سر عظمة هذه الأمة و مواطن قوتها و ضعفها، و الفروق بينها و بين مصر، و ما يحسن أن تقتبسه مصر و ما لا تقتبسه".
3.     قيمة الذوق و الجمال: رقي الأفراد ليس بالعقل وحده بل إن دور الذوق أكبر من عمل العقل. فما يميز أمة راقية عن الأمم البدائية المتوحشة هو ما لها من ذوق يتجلى في دور الفنون و الحدائق و المعمار الفخم و الشوارع النظيفة و المتاحف. لذا استشعر الجمال، صادق الطبيعة، ثم انظر إلى الأخلاق ! إن نميت ذوقك فقد ضمنت سمو الأخلاق و نبل العواطف.
4.     العلم في حاجة إلى دين: كان للجيل الماضي عقيدة و مبادئ يسير عليها الأفراد دون شك أو تفكير. فأطاح الجيل الجديد هذه العادات الراسخة فكانت الحيرة و الاضطراب. فلقد كان الناس يجدون في الدين راحة من العناء و استعانة على الخير و حفظا من الشر و هو ما اندثر مع المدنية الجديدة. في الغرب آمن الناس بالعلم و لكن مع تقدم النظم الاقتصادية كان الشقاء عوض السعادة. 
"و أيقن كثير من العلماء بأن العلم في حاجة إلى دين، و أن العقل في حاجة إلى القلب، و أن المنطق في حاجة إلى الحكمة". 

رسالة إلى أبي

في هذه الرسالة يكتب الولد إلى أحمد أمين ناقدا الأب في الإكثار من النصائح و الإرشادات. فمن رأيه أن الشباب يحتاج أن ينعم بحيز من الحرية ليجرب الحياة بنفسه. و بالتجربة يخطئ فيفهم أسباب خطئه. و ذلك مهم لبناء الثقة في النفس و تكوين شخصية قوية. فنجد ضعف الشخصية حين يحرم الوالدان الطالب من التجربة و حين يقوم الأستاذ بإملاء المحاضرات و يحرم الطالب من البحث و الدراسة.

إلى ابنتي

ينصح أحمد أمين ابنته في إنجلترا أن تكون مصدر خير لزوجها و بناتها. و على الغربة أن تكون أحسن درس به تعود إلى الوطن في حال أحسن يُمَكنّها من أصلاح ما حولها. كما قال أن عليها أن تترك أثرا طيبا و سيرة حسنة بأن يشعر الناس بالوحشة لفراقها...
     

الثلاثاء، 11 فبراير 2020

اللص و الكلاب لنجيب محفوظ : قصة انتقام

اللص و الكلاب لنجيب محفوظ  قصة انتقام من جريمة خيانة. كان سعيد مهران مخدوعا. خانته زوجته نبوية  مع أحد أتباعه، عليش سدرة، و طلبت الطلاق أثناء سجنه. سُجن لأنه كان يسرق قصور الأغنياء بإيعاز من رؤوف علوان الذي كان يظهر له الود والرأفة فخانه. إثر خروجه من السجن بعد أربع سنوات، كان هدفه الانتقام و "تربية" الخونة، الذي كان يسميهم بالكلاب، و استرجاع ابنته المحبوبة سناء. دفعه الغرور و التهور إلى محاولات قتل باءت بالفشل. كتبت العديد من الصحف عن أخبار جرائمه  وكان مطاردا. آلمته الوحدة و صار يستحضر الماضي في الوقت الذي كان لاجئا في مسكن صديقته نور أو عند الشيخ الجنيدي. لم يحقق هدفه. و كانت نهاية اللص و الكلاب لنجيب محفوظ  بالفشل و الإستسلام النهائي.        

اللص و الكلاب و رغبة الانتقام

خرج سعيد مهران من السجن بعد أربع سنوات و كانت تدور في رأسه أفكار الخيانة التي كان ضحيتها. توجه إلى غريمه عليش ليقابله و يسوي وضعية ابنته سناء. كانت قد بلغت من العمر ستة سنوات و كانت تحظى بالرعاية مع أمها فأنكرته حين رأته في بيت عليش. قرر مهران أن يبحث عن عمل و أن يلتجئ إلى المحكمة ليتمكن من أخذ ابنته معه.  ثم قصد بيت الشيخ علي الجنيدي إذ كان ملجأه الوحيد. طفق الشيخ يتمتم بحكم و آيات قرآنية و قص عليه مهران قصته: خرجت اليوم من السجن، خانتني زوجتي مع رجل من أتباعي، طلبت الطلاق بعد سجنه فتزوجت به، استولى على أموالي، أنكرتني ابنتي.
و فكر سعيد أنه لا يمكن أن يعيش حياته دون أن ينسى الأعداء. لن يهدأ له بال حتى يصفي حسابه معهم.

استحضار الماضي

 كان وحيدا ففكر و تذكر الحلقة الأولى، لما رأى نبوية و هي تخرج من بيت سيدتها إلى البقال فيتابع حركاتها، ثم يعترض طريقها و يطلب منها الزواج. تزوج و كان عليش سدرة يلعب دور الصديق الأمين و لكن خدعه. و تذكر ولادة سناء و حمله لها لأول مرة .
و من ذكرياته تذكر والده. كان العم مهران فقيرا، بسيطا، يعمل بوابا لعمارة الطلبة ،و بفضله عرف سعيد ابنه الشيخ الجنيدي. أحب سعيد سماحة الشيخ و كل المحبة النابضة من ملامحه. و كان من حكمه :
" نحن نتعلم من المهد إلى اللحد، و لكن يا سعيد ابدأ بأن تحاسب نفسك، و ليكن في كل فعل يصدر عنك خير لإنسان! ".
بعد موت الأب مهران، تجلت شهامة رؤوف علوان الذي كان طالبا بكلية الحقوق بأن تدخل ليساعد سعيد و أمه على أن يحلا مكان الأب في خدمة العمارة. توفيت الأم و كان قد سرق طالبا في العمارة خلال فترة مرضها. حينها كان لرؤوف الفضل في تخليصه من المشكلة. و كان له الفضل أيضا في تعليم سعيد القراءة و لكن أيضا السرقة. كان يدله  على الناس الجديرين بالسرقة.

اللص يطارد الكلاب

في الفجر، غلبه دافع الإنتقام و الغرور أن يتسلل إلى قصر رؤوف ليلا ففعل. فاجأه رؤوف وقال أنه يفصح عن عداوته و غروره و حسده. هدده بإبلاغ الشرطة و لكن ما لبث أن تركه بسلام. في الغد قصد رفيقه المعلم طرزان، معلم القهوة، فطلب منه مسدسا.
 اقتحم اللص شقة عليش في الليل وأطلق النار عليه و لاذ بالفرار. كان يفكر في رؤوف الخائن الخطير و قال :"أنا الشيطان نفسه".ثم قصد مسكن الشيخ حيث قضى الليلة عنده و في الغد قرأ عن خبر الجريمة في صحيفة أبوالهول: "جريمة شنيعة  بالقلعة !". اكتشف أنه قتل رجلا آخر: شعبان حسين و هو الساكن الجديد الذي سكن بالشقة بعد أن غادرها عليش مع نبوية. كما أن أحد الجيران رأى سعيد مهران مغادرا البيت بعد ارتكابه الجريمة و كانت صورته في الجريدة. عرف أنه مطارد، "حي بلا حياة كجثة محنطة". فضل أن يترك مسكن الشيخ قبل أن يقبل المريدون مع غروب الشمس و قصد بيت نور.
ثم طالع الجرائد فلاحظ اهتماما كبيرا بالجريمة و خاصة في جريدة رؤوف علوان و فيها إسهاب عن تاريخه في اللصوصية و سطوه لقصور الأغنياء. و كانت صحيفة الزهرة تستفز البوليس دالة على أن رؤوف يسعى لأن يصل سعيد إلى حبل المشنقة. ففكر سعيد:
"و لن تحول قوة دون تأديب الكلاب"
استوقف اللص أحد شركاء عليش ليلا ليسأله عن مسكنه الجديد مهددا إياه بالسلاح.  فكان بياظة جاهلا بالأمر إذ كان عليش قد اختفى مع زوجته دون أن يبلغ أحدا بمكمنه خوفا. فكان أن يئس سعيد من ملاحقة عليش و ركز اهتمامه على رؤوف. توجه إلى القصر مرتديا زي ضابط و بواسطة قارب. عند رؤيته له داخلا القصر صوب عليه مسدسه فسبقت طلقته طلقة نارية من حديقة القصر، فانطلق هاربا .
ومن خلال الصحف علم بتصريحات رؤوف إذ قال أنه كان يعطف على سعيد و أنه زاره بعد خروجه من السجن و أكرمه و لكنه حاول سرقته. ثم أنه اتُهم بالجنون إذ كان يطلق النار بلا وعي فأصاب البواب و لم يصب ضالته.  كما تم رصد مكافئة لمن يدل عليه. و في وحدته كان اللص ينظر إلى القرافة تحت ضوء القمر و ينطق متخيلا نفسه في المحكمة أمام مجلس المستشارين في محاكمته لقتل البواب.  و فكر أن "لن يكون الحكم أقسى من جفول سناء. قتلك قبل المشنقة". و كان يشعر أنه عظيم:
"واشتد به الدوار فقضى بأنه عظيم بكل معنى الكلمة عظمة هائلة ولكنها مجللة بالسواد عشيرة للمقابر و لكن عزتها ستبقى بعد الموت".

اللص في وحدة قاتلة

كان في وحدته القاتلة يتحسر على أيام الوصال مع نبوية، أيام اللقاء عند النخلة في طرف الحقل. و كان ينظر لضوء القهوة فيتخيل الناس المتسامرين. و لما طال غياب نور عنه زادت وحشته و دهمه الحزن
"لا لأنه سيفقد عما قريب مخبأه الآمن و لكن لأنه فقد قلبا و عطفا و أنسا".

النهاية

 طال انتظاره حتى غادر البيت خوفا من أن تداهمه صاحبة البيت التي كانت تطالب منادية نور بدفع الإيجار و قصد مسكن الشيخ. حدثه عن هروب الأوغاد و عن جرائم تعقبه لهم فقال الشيخ:
"هل تستطيع أن تقيم ظل شيء معوج؟"
تذكر أنه نسي الزي الرسمي فعاد ليلا ففاجأه وجود أشخاص مجهولين في مكان نور فعاد على إثره إلى الشيخ.  و في المساء أقبل المريدون ينشدون و يرددون الذكر فهرب إلى القرافة التي كانت مطوقة برجال الشرطة.
" و أخيرا لم يجد بدا من الاستسلام فاستسلم بلا مبالاة..بلا مبالاة.."     




مسرحية بيجماليون لتوفيق الحكيم: من الأسطورة الإغريقية القديمة

 مسرحية بيجماليون لتوفيق الحكيم تقوم على الأسطورة الإغريقية المعروفة. قامت الشخصية الرئيسية بنحت تمثال عاجي لامرأة فكانت جالاتيا، و فيها أثر كبير للفن و الإبداع. و لأنه تمنى الحب دعا فينوس، إلهة الحب و الجمال، أن تهب الحياة لجالاتيا فصارت زوجته تحاوره و تكلمه. ولكن خذلته و هربت مع غيره و سخط على الحياة السخيفة التي منحتها إياها فينوس. فتدخل أبولون، إله الفن و الفكر، بأن وهبها ما ينقصها من الروعة، فعادت إليه تواسيه و لا تفارقه. سعد بيجماليون بحب زوجته و لكن ما لبث أن تحسر على فنه الخالد، تمثاله ذا التعابير اللامحدودة. فدعا الآلهة أن تعيد له تمثاله. فهل فضل الفن الخالد على الحياة الفانية؟
في المسرحية رموز لمعنى الفن و الحياة و الخلود و الفناء مع إطلالة فلسفية على علاقة الخالق بمخلوقه. يجمع توفيق الحكيم بين بساطة الكلمة، عمق الفكرة و متعة القراءة !  

ثلاثة فصول في مسرحية بيجماليون  لتوفيق الحكيم

الفصل الأول

بيجماليون هو عبد أبولون الذي أعطاه الفن و الفكر فصنع تمثالا من العاج لامرأة اسمها جالاتيا و كانت آية في الجمال و الإبداع. و قالت في ذلك فينوس، إلهة الحب و الحياة،  أنها
"قوة الفن التي يستطيع بها الهالك أن يخلق الخالد"
لقد حرمته فينوس من هباتها فكان عيشه بعيدا عن حب المرأة دافعا ليصنع امرأة بيديه. دعا بيجماليون فينوس بإلحاح أن تمنح جالاتيا الحياة فاستجابت له.  فنطقت جالاتيا، رفلت في البهو، و كان الحوار حوار زوجين متحابين، الكلام بسيط و بريء يعكس صدق المشاعر. تقول:
"قل لي أيضا أنك تحبني ! " فيقول لها: "لقد أحببتك قبل أن توجدي...إن حبي لك هو الذي أوجدك" 
و في سؤالها عن عمله قالت:
"إنك زوجي منذ أن عرفتك...و مع ذلك لم يخطر لي أن أسألك عن عملك !"     
فقال:
"إني أصنع التماثيل..".

الفصل الثاني

في الفصل الثاني من المسرحية، نرى بيجماليون حزينا إذ فقد جالاتيا بعد هروبها مع نرسيس. فقال لإيسمين التي حثته على السعي للبحث عنها أنه لم يعد له بها شأن. إذ قالا:

"بيجماليون: كيف نمقت عملنا الذي صنعنا بخير ملكاتنا..
إيسمين: كل عجبي هو لانصراف هذه المخلوقات عن خالقيها !..
بيجماليون: و فيم العجب ؟.هل ارتفع مخلوق يوما إلى فهم خالقه؟.."

فذلك يرمز إلى الحب الغير مشروط  الذي يكنه الخالق لمخلوقه، و إلى أن تمرد المخلوق عن خالقه وارد إذ أنه لا يرقى بعلمه إلى مرتبة الخالق المبدع المفكر. رغم هذا الوعي، نرى بيجماليون يسخط على الآلهة فينوس التي نفخت الروح في جالاتيا ففقدها و لم تعد قريبة منه فلم يعد يراها و تراه كل يوم ! فقال أن روعتها منه و أن الآلهة فينوس هي التي أفسدت جمالها.
ثم نلمح تقدم مركبة اللآلهة و هي تحمل فينوس و أبولون. لام أبولون فينوس على فعلتها. إذ قال أن حياة الفن الساكنة التي منحها بيجماليون في التمثال العاجي كانت أرفع من الحياة المتحركة الشاحبة الـتي وضعتها فيها. فأجابته:
"فينوس: هنالك أشياء لا تستطيع أن تراها..لا أنت و لا هو !..
أبولون: لن تنكري على الأقل أننا نستطيع أن نرى الشيء الجميل "!

و كانت نتيجة النقاش أن طلبت منه أن يمنح حياة جالاتيا ما ينقصها من الرفعة و الروعة  فاستجاب، و لهذا الغرض قال أبياتا شعرية عازفا على القيثارة. فعادت جالاتيا توقض بيجماليون من نومه بقبلاتها و تناديه بالعظيم ! طفقت تواسيه و تقول أن عليها البقاء إلى جانبه دائما. لم يكن يعبر عن حبه لها و لكن كان مندهشا. طالبته أن يفصح عما في خفايا نفسه فسكت. و لما سألها أن تفتح له نفسها علقت أنه من العجيب أن تطلب الآلهة من مخلوقها الإفصاح عما في نفسها، و إذا طلب المخلوق من آلهته الإفصاح سكتت الآلهة.  فقال:
" إنما على البشر أن يقرؤوا، و أن يفهموا و أن يفسروا...كل على قدر فطنته و تفكيره و إدراكه" 
صارت جالاتيا تشعر بأنه إلاه و أنها مخلوقته فصارت تحبه إذ صارت تدركه. فقال:
"أنت يا جالاتيا جديرة بي.. و بحبي !.."
وبسماع القيثارة أدرك سبب تغير مخلوقته الحبيبة  فنادى شاكرا لأبولون.

الفصل الثالث

في الفصل الثالث كان بيجماليون مستاء، غلبه الضجر، إذ لا يرى في زوجته الأثر لعمله الفني الخالد. صار يقارن بينها  و بين التمثال العاجي الذي ابتدعه برمته. ففي نظرة الزوجة معنى محدود و في نظرة جالاتيا العاجية إشراف على عالم غير محدود، فقال لزوجته: "كل ما فيك محدود، و كل ما فيها غير محدود! .." نبهته أنها ستكبر في السن و مآلها الموت و القبر فلم يطق الفكرة و علقت:
"لا لأنك تحبني..بل لأنها صدمة لكبريائك الفني !"
و في هذا الخطاب مقارنة طريفة بين الحياة التي تمنحها الآلهة و الفن الذي يبدعه الإنسان:
"يا سكان أولمب، في إمكانكم أن تعجنوا ذلك المزيج من الجمال و القبح و النبل و السخف و الارتفاع و الابتذال و تسموا ذلك حياة!..و لكنكم لن تستطيعوا أبدا أن تصنعوا مثلي ذلك الشيء المقطر المصفى الذي يسمى الفن.."
آل الأمر إلى أن دعا بيجماليون الآلهة أن يعيدوا له عمله و يأخذوا عملهم  فاستجاب الاثنان له.
 و لكن أمام التمثال العاجي العائد،  صار حزينا لرؤية صورة ميتة لزوجته، كالأرمل يتحسر و يقول :
"آه إني قاتل زوجتي! ". كما قال: "أيهما الأجمل و أيهما الأنبل؟..الحياة أم الفن؟.."

الأحد، 2 فبراير 2020

كتاب ابن الفقير لمولود فرعون يصف القرية في منطقة القبائل في الجزائر في بدايات القرن العشرين

لمحة عن قصة ابن الفقير لمولود فرعون

منراد معلم في قرية بمنطقة القبائل في الجزائر بدأ العمل عام 1939 و كتب سيرته الذاتية. يسرد الراوي ذكريات الطفولة فيحدثنا عن عائلته و قريته و نمط العيش فيها. ابن الفقير هو فورولو منراد ابن رمضان الفلاح الفقير. وُلد سنة 1912 و أعطته جدته اسم فورولو و هو مشتق من فعل أفير و يعني إخفاء "مما يعني أن أحدا لن يراه سواء بعين مرضية أو رضية" . عاش طفولته في الريف في كنف والديه، أخواته، عمه لونيس، و كان يأنس لصحبة خالاته صانعات الفخار. الحياة في القرية بسيطة، السكان متحدون و يتساعدون، و لكن يمكن أن تتعادى العائلات للدفاع عن الأصل، أو من باب الغيرة. كان الأخوان رمضان و لونيس يعيشان في بيت واحد مع عائلاتهما حتى توفيت الجدة تساديت فتقاسما الإرث.

 و يصف لنا الراوي بساطة البيوت، أعمال الفلاحة في حقول التين و الزيتون، صنع الفخار، طبخ الكسكسي...وكان هو الولد الوحيد فكان محبوبا مفضلا عند عمه الذي حرص على تنشئته نشأة ذكورية، وأحبته خالاته. أحاطوه و غمروه عطاء و عناية. عمل والده في الحقول مع تربية المواشي، و أحيانا في البناء، و كان يمكن أن يضطر للتداين أو البيع لكسب القوت و لدراسة الابن المحبوب أو للتداوي.
اضطر رمضان الذي حاصره الفقر إلى الهجرة إلى فرنسا، و عاد بعد سنة و نصف في أيسر حال. ثم تمكن فورولو، ابن الفقير،  بعد نجاحه في المدرسة أن يتحصل على منحة للإلتحاق بالمدرسة الإعدادية و كان حلمه دخول مدرسة المعلمين. 

كان كل أمل الأب أن يتوصل ابنه لمساعدته على تحمل أعباء العائلة.  دخل المدرسة و أقام رفقة زميله أزير عند مبشر بروتستانتي يأوي التلاميذ القادمين من الجبال. أمضيا أربعة سنوات، من سن الخامسة عشرة إلى سن التاسعة عشرة، في التركيز على الدراسة وعُرفا بحسن السيرة و الخلق.
غمرت السعادة منراد لنجاح ابنه و لكنه اضطر للتداين و النضال حتى يتمكن من دفع مصاريف إقامته بالجزائر العاصمة  حين تقدم لإتمام الشهادة. حصل فورولو على شهادة التعليم الأساسي فصار الأقارب يدعونه للاجتماعات و يطلبون نصحه و كان ذلك سندا و تشجيعا له. و رغم صعوبة الظروف المادية، واصل ابن الفقير  تأمل حلمه بأن يصير معلما.

نمط العيش في منطقة القبائل في قصة ابن الفقير لمولود فرعون

منزل العائلة

يحتوي المسكن على حجرتين متقابلتين  و حجرة أو اثنين للإبن البكر أو لعابري السبيل. تُبنى المساكن من ألواح من الصخر الزيتي مع الرمال و الطين، و يتكون السقف من قرميد أجوف يستقر على البوص، تغطيها طبقة من الجير. و تتولى ربات البيوت الترتيب الداخلي و في ذلك تعبهن و فخرهن.
السندرة تحوي أواني المؤن و أواني الزيت، يتأرجح الفراش المثبت بحوامل السقف، و يوجد الموقد في حائط مواجه للإسطبل. في الأعلى، تحمل الدعامتان المتوازيتان سلالا لثمر البلوط و الخشب الأخضر و لحم الخروف. الحجرات الصغيرة مستطيلة بسيطة دُهنت بالجير، و الباحة ضيقة...
في عائلة ابن الفقير، و في كل عائلة في القرية، مسؤول من المؤن: كانت الجدة في عائلة منراد الوحيدة التي بإمكانها التصرف في أواني التخزين. هي الوحيدة التي بإمكانها دخول السندرة لأخذ التين أو السمن أو الزيت.

صنع الفخار

كانت الخالات تصنع الفخار و كان الولد المحبوب يأنس لمرافقتهما. تشتريان الصلصال و تجعلنه يجف في الباحة ثم تحولنه إلى غبار. يُخلط الغبار بالماء و يُصنع عجين يتماسك في يومين ثم يُخلط ببقايا إناء مطحون. ثم تقبل الخالة على تشكيل الأواني و الأصحان على لوح...كان لكل إناء طابعه الخاص، و يمكن التعرف على صانعة الإناء عندما تراه.

الأكل

 كان الكسكسي هو الطعام الرئيسي. يُوضع في القدر لإعداد المرق ثلاث لترات من المياه مع الفول و الحمص و الزيت و الدهن. اللحم كان نادرا. كما يأكلون من خضرا وات الحقول و يشربون من مياه الترع، وفي المواسم يقضمون الخوخ و التفاح و الكمثرى الخضراء.

كسب القوت

كان رمضان فلاحا صلبا، و كان يربي زوجا من الثيران، حمارا، معزة و خروفين. كانت الثيران ملكا لأحد الأغنياء،  يربيهما  رمضان و عند البيع يستفيد بثلث الثمن. تأتي المعزة باللبن و بصغار تُأكل أو تُباع عند الضرورة. كما عمل رمضان أحيانا أجيرا للبناء للأغنياء مثل بناء أول معصرة تعمل بمكبس هيدروليكي. ثم هاجر إلى فرنسا و عمل عاملا في مصنع. 


  


الحفيدة الأمريكية للكاتبة إنعام كجه جي: عراقية أم أمريكية؟

  ا لحفيدة الأمريكية للإعلامية و الكاتبة العراقية المقيمة في فرنسا إنعام كجه جي ، هي رواية صدرت سنة 2008 تضم 197 صفحة، رُشّحت لنيل جائزة ال...