كتاب كليلة و
دمنة لبيدبا الفيلسوف الهندي عرّبه عبد الله ابن المقفع (724-759م) و
هو فارسي الأصل. هو كتاب يرمي إلى إصلاح الأخلاق و تهذيب العقول و فيه ما يعين
الملوك على تدبير أمور ممالكهم. الأسلوب سهل و الألفاظ قوية المدلول و نجد فيه
أرفع درجات البلاغة. يضم الكتاب 15 بابا في 156 صفحة.
صاغ الفيلسوف
بيدبا كتاب كليلة و دمنة لدبشليم ملك الهند وهما كمثل الحكيم المثقف يخاطب
السياسي صاحب القرار بما يعينه على شؤون الحكم. في الكتاب يطرح الملك إشكالا و
يجيبه الفيلسوف بأمثلة من القصص عن البهائم. فوردت على لسان بيدبا الفيلسوف و ابني آوى كليلة و دمنة و
بعض الحيوانات قصص تحمل أمثلة و عبرا. و من المواضيع المطروحة في الكتاب:
الحسد، العداوة و
المصالحة، التعاون، الغدر، الانتقام، القرب من السلطان، سن الأحكام و اتخاذ
القرارات، التفكر في العواقب، اتباع الحكماء، التسرع و الندم، القدر...
بعث كسرى أنوشروان
ملك الفرس الطبيب برزاويه إلى الهند للحصول على هذا الكتاب القيم. ثم عربه من
الفارسية إلى العربية عبد الله بن المقفع.
باب مقدمة الكتاب
كان في الهند ملك اسمه دبشليم طغى و تجبر فهابته الرعية. فكر الفيلسوف بيدبا في صرف الملك عما هو عليه فجمع تلاميذه يحثهم على مجاهدته بالحكمة.
"على أن العاقل قد يبلغ بحيلته ما لا يبلغ بالخيل و الجنود"
المثل في ذلك أن
قنبرة (نوع من العصافير) باضت في عش مر عليه الفيل فتهشم البيض. فاشتكت القنبرة
إلى العصافير فاجتمع جمع منهم ينقرون عيني الفيل حتى ذهب بصره. صار لا يهتدي لموضع
الماء الذي يشرب منه. ثم طلبت من الضفادع أن تنقنق قرب هاوية فيحسبها الفيل موضع
الماء فأقبل حتى وقع في الهاوية.
أقدم بيدبا على دبشليم بالسكوت. كان الملك يحترم مقام الحكماء:
"الحكماء أغنياء عن الملوك بالعلم و ليس الملوك بأغنياء عن الحكماء بالمال".
وعد الملك أن ينظر إيجابا
في أمره فاستبشر بيدبا. ثم تكلم فأثنى على ملكه و ما ورث، ثم لامه على طغيانه و
نصحه بحسن النظر إلى الرعية و سن الخير ليبقى ذكره بعد أفول عهده.
رأى الملك أن
بيدبا تجاوز حده فيما قاله فأمر بسجنه. في ليلة أرق تفكر الملك في حركات الكواكب
فتذكر كلام الفيلسوف فأرهقته الندامة إذ رأى أنه عامله بضد ما يستحق. فطلب أن
يأتوه به.
فسر بيدبا أنه
أراد من كلامه توجيها للملك لصلاح الرعية و دوام الملك. أعاد الخطاب و اقتنع
دبشليم فقال أنه عامل بما أمر بيدبا و عيّنه وزيرا. و مضى الأمر على حسن السيرة و
العدل في الرعية.
طلب الملك من
بيدبا أن يكتب كتابا يخلّده ظاهره سياسة و باطنه أخلاق، مشتملا على الجد و الهزل و
الحكمة. ضم الكتاب خمسة عشر بابا و سُمّي كليلة و دمنة. جعله على لسان
البهائم و فيه حكم لأمور الدنيا و الدين.
باب بعثة الملك كسرى أنوشروان بن قباذ بن فيروز برزويه بن أزهر الطبيب إلى الهند في تحصيل هذا الكتاب
نقل الكتاب من
الهند إلى بلاد فارس بمعية الملك كسرى أنوشروان و هو أكثر ملوك الفرس حكمة، و
قد كُلّف الطبيب برزويه بهذه المهمة.
و من جمال اللغة العربية في كتاب كليلة و دمنة نذكر مقطعا في وصف كسرى أنوشروان:
"و قد رزق الله ملكنا السعيد كسرى أنوشروان من العقل أفضل الحظ و أجزله و من العلم أجمله و أكمله، و من المعرفة بالأمور أصوبها. و سدده من الأفعال إلى أسدها و من البحث عن الأصول و الفروع إلى أنفعه"
و يطلعنا رفيق
برزويه على ثمانية خصال لعقل الرجل:
"و إن عقل الرجل ليبين في خصال ثمان: الأولى منها الرفق. و الثانية أن يعرف الرجل نفسه فيحفظها. و الثالثة طاعة الملوك و التحري لما يرضيهم. و الرابعة معرفة الرجل موضع سره و كيف ينبغي أن يطلع عليه صديقه. و الخامسة أن يكون على أبواب الملوك أديبا ملق اللسان. و السادسة أن يكون لسره و لسر غيره حافظا. و السابعة أن يكون على لسانه قادرا فلا يتكلم إلا بما يأمن تبعته و لا يطلع على سره إلا الثقات. و الثامنة أن لا يتكلم في المحافل بما لا يُسأل عنه"
باب الأسد و الثور
سمع أسد خوار ثور
و لم يكن قد سمع مثيله سابقا فتملكته خشية و لم يبرح مكانه. و كان فيمن معه ابنا
آوى و اسمهما كليلة و دمنة و كانا ذوي دهاء. تساءل دمنة عن سبب ترك
الأسد لنشاطه العادي فقال له كليلة أن لا يتكلف فيما لا يعنيه، و حكا في
ذلك مثل القرد و النجار:
كان النجار يشق
خشبة و يضع وتدا كلما شق ذراعا. عند غياب النجار تكلف القرد ما ليس من شأنه فركب
الخشبة و ذنبه يتدلى في الشق، نزع الوتد فأصابه ألم كبير. ثم قدم النجار فأشبعه
ضربا.
أعرب دمنة
عن رغبته في أن يتعرض للأسد يرجو منزلة عنده فسيسعى لبلوغ مكانة رفيعة بجهده. كان
هدفه أن يعين الملك على الأمر الصواب حتى يدرك جودة فكره فيقربه إليه. حذره
كليلة من صحبة السلطان و لكنه كان شجاعا عازما. تكلم دمنة أمام الأسد
بحكمة فاستحسن كلامه و أعجب بمقالته الحكيمة. فبعثه إلى الثور شتربة فأقدم وقص قصته فبلغ إعجاب الملك به مبلغا
كبيرا حتى جعله من خاصته. فغلب الثور دمنة منزلة فحسده.
ظل دمنة
يحرش الأسد على الثور بطيب الكلام و يضرب الأمثلة بدهاء ليثنيه عن صحبة الثور و
زاد في احتياله ليوقع بينهما العداوة. آل الأمر إلى أن قتل الأسد شتربة و لكنه ندم
إذ ذكر عقله و خلقه.
طفق كليلة
يلوم دمنة على جنايته فسمعهما نمر فباح بما شهد لأم الأسد فأخبرته. طلب
الأسد دمنة فأطنب في البيان و لكنه سُجن. في السجن عاتبه كليلة فسمعهما
فهد. طالب القاضي الجمع بالبوح بما يعرفون من أمر دمنة فأدبر الحيلة و ضرب
الأمثال. ثم كان أن شهد النمر و الفهد ضده فأُمر بقتل دمنة.
أمثلة من الٌقصص في كتاب كليلة و دمنة
مثل السمكات الثلاث:
كان في غدير ثلاث
سمكات: كيسة(حسنة التأني)، و أكيس منها و عاجزة. و بقرب الغدير كان هناك نهر. مر
صيادان فقالا أنهما سيعودان لاصطياد السمك فسمعت قولهما السمكات. أكيسهن نجت بأن
سبحت إلى النهر. الكيسة الأخرى تهاونت حتى جاء الصيادان فسدّا المكان المفضي إلى
النهر. فتماوتت فطفت على الماء فأخذاها و وضعاها على الأرض فقفزت إلى النهر و نجت.
أما العاجزة فأقبلت و أدبرت حتى صيدت.
مثل الرجل و الطائر:
كان هناك جماعة من
القردة رؤوا في ليلة باردة يراعة (ذبابة تطير ليلا كأنها نار) فحسبوها نارا. فألقوا
عليها حطبا و جعلوا ينفخون طمعا في إشعال النار. كان هناك طائر فقال لهم أن يتوقفوا
فهي ليست بنار فمر به رجل نهاه عن ذلك قائلا أن لا فائدة من محاولة تغيير ما لا
يتغير. لم يسمعه فتقدم إليهم مصرا لينهاهم فقتلوه.
مثل الناسك و ابن عرس:
كان لناسك امرأة و
لم يرزقا بطفل لمدة سنوات فلما حملت فكّر في أن يكون غلاما فيختار له إسما و يسخّر
له المؤدبين. فقالت له أن لا يتكلم فيما لا يدري فصيبه كما أصاب الناسك فحكت له:
يحكى أن ناسكا
تجمع عنده رزق من السمن و العسل يضعهما في جرة معلقة. ففكر في غلائهما و قال:
سأبيع الجرة و أشتري أعنز تتكاثر و تصبح بعد سنين أربعمائة عنزا. ثم سأشتري بقرا و
أرضا ثم بيتا ثم أتزوج. فأشار بيده إلى الجرة فكسرها !
فاتعظ الناسك بقول
زوجته بعدم العجلة في ذكر ما لا ينبغي ذكره. رزقت بولد تركته يوما ما برفقة الناسك و
بدوره ترك معه ابن عرس يحرسه ليلبي دعوة الملك. في الأثناء خرجت حية دنت من الطفل
فتمكن ابن عرس من قتلها و امتلأ فمه بدمها. لما عاد الناسك رأى الدم فظن متسرعا
أنه خنق ولده فقتله. أدرك أنه ارتكب خطأ فادحا لما رأى ابنه و الحية الميتة.
حكم من كتاب كليلة و دمنة
- الزم السكوت فإنّ فيه السلامة. و تجنب الكلام الفارغ فإنّ عاقبته الندامة
- في مجلس ملك تكلم أربعة من الحكماء فقال كل واحد حكمة:
أفضل خلة العلماء
السكوت
إن من أنفع
الأشياء للإنسان أن يعرف قدر منزلته من عقله
أنفع الأشياء
للإنسان أن لا يتكلم بما لا يعنيه
أروح الأمور
للإنسان التسليم للمقادير
- العقل غريزي مطبوع و يتزايد بالتجارب و الأدب
- رأس الأدب حفظ السر
- إن العلم لا يتم إلا بالعمل
- من كان سعيه لآخرته و دنياه فحياته له و عليه، و من كان سعيه لدنياه خاصة فحياته عليه، و من كان سعيه لآخرته فحياته له
- آفة المودّة النميمة
- إن ثلاثة لا يجترئ عليهن إلا أهوج و لا يسلم منهن إلا قليل، و هي صحبة السلطان، و ائتمان النساء على الأسرار و شرب السّم للتجربة
- لا خير في القول إلا مع العمل
- إن البحر بأمواجه و السلطان بأصحابه
- لا تلتمس تقويم ما لا يستقيم
- إن أحمد الناس عاقبة في الدنيا و الآخرة أكتمهم للسر
- إن فساد عامّة الأشياء يكون في حالتين: إحداهما إفشاء السر و الأخرى ترك عقوبة من يستوجب العقوبة
- كما تدين تُدان
- يعد جاهلا من تكلف من الأمور ما لا يشاكله و ليس من عمله
- لا ينبغي لذي العقل أن يحتقر أحدا من الناس حتى البهائم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق