الاثنين، 28 ديسمبر 2020

أماريتا للكاتب عمرو عبد الحميد: الجزء الثاني لرواية أرض زيكولا

 


أماريتا هي الجزء الثاني لرواية أرض زيكولا للكاتب و الطبيب المصري عمرو عبد الحديد، و صدرت في 2016. يضم الكتاب 324 صفحة.

قررملك أماريتا أن يحارب أرض زيكولا من أجل إسقاط خيانة الطبيبة أسيل. و لكنه سعى لتجنب ذلك بالسعي لجلب خالد ليسدد لها دينه من الذكاء الذي سبق و أن أعطته له. اكتشف الملك بابا سريا يقود منه الزيكوليون فقراء كتارا ليفتكوا ذكاءهم، ثم تم اعتقاله. تمكن خالد من جلب جيش أماريتا عبر ذلك الباب فحُرّر الملك مع فقراء كتارا و هُزم جيش زيكولا.  

أسيل في  أماريتا

كان محققو زيكولا بصدد البحث عن كل من ساعد خالد في الهرب: أسيل و يامن و إياد و الفتاة التي دلته على صاحب الكتاب (نادين).تم اعتقال أسيل في بيجانا في انتظار يوم زيكولا بعد سبعة أشهر.

تمكنت أسيل بحيلة أن تلتحق بدائرة الفقراء المُرحّلين بالسجن فوصلت إلى أماريتا مع رفيقتها قمر بعد رحلة طويلة. في ساحة القصر خاطبهم الملك مفسرا إجراءات إقامتهم.

أما أسيل فقد وشمتها امرأة برقم 414 و حُددت وجهتها إلى مدينة ألشميل. هناك كان عليها أن تدخل في ضيافة البيت الذي يحمل رقمها فكان صاحبه عجوزا غريب الأطوار، السيد سيمور البحار.  و عملت أسيل مهنة شاقة في جبال الريموز.

طلبت من سيمور أن يعبر بها إلى شمال بحر مينجا لتتمكن من العودة إلى أرض زيكولا حين يفتح بابها بعد أشهر،  و منها إلى سرداب فوريك ثم إلى موطن خالد. فرسم خطة لترحيلها في رحلة برية و بحرية. أما قمر فقد سيقت مع أخريات إلى قصر الملك حيث كانت تم تعليمهن ليكن وصيفات.

اشتعلت النار في السفينة فعادت أسيل إلى أماريتا على متن سفينة إنقاذ ملكية و رُفع أمر خيانتها إلى الملك. و لكن تعلق بها الملك أثناء إقامتها. في ليلة مرضت أسيل فغابت عن الوعي فتتالى الأطباء عليها. لقد نفد مخزونها من الذكاء و صارت حياتها مهددة.

إعلان الحرب

ظل أصدقاء خالد مختبئين في المنطقة الجنوبية من أرض زيكولا و علموا بالقانون الذي يمنع الخائن من التعامل بوحدات الذكاء، و أنه يحق للسكان استرداد وحدات الذكاء التي دفعوهم للخائن. كما أن القانون ساري المفعول حتى إن غادروا الأرض. لما علم الملك تميم بهذا القانون بعث رسولا لحاكم زيكولا ليطلب إسقاط الخيانة عن أسيل بمقابل، حتى تتعافى، فرُفض الطلب. قرر الملك أن يحتل زيكولا من أجل أسيل و أعلن للشعب ذلك. فسّر لجرير خطته الحربية و اعتزامه دخول زيكولا كتاجر ذهب ليبدل الذهب بوحدات للذكاء يعطيها لأسيل.

إنقاذ أسيل من الموت

انطلقت سفينة ملكية تحمل الملك و أسيل و قمر إلى شاطئ مينجا ثم امتطوا عربة إلى صحراء زيكولا. مكثوا في خيمة حتى رأوا جحافل الجنود تخرج مستعدة لمحاربة ملك أماريتا و قد فتح باب زيكولا في غير موعده ليخرج الجيش. بعدها تمكنت العربة من عبور باب زيكولا. تمكّن الملك المتخفي من بيع سبائك الذهب و لكن لم يتمكن من تحويل وحدات الذكاء إلى أسيل.

تقابل إياد و تميم مع يامن، تحاوروا في الأمر و تقرر عبور سرداب فوريك لجلب خالد. فإذا أعطى خالد لأسيل من الذكاء سيتجنبون الحرب. تم اختيار نادين للقيام بالمهمة. وصلت إلى موطن خالد عبر السرداب. بعد وصولهم و برفقتهم منى، قبّل خالد شفتي أسيل فتورّدت و تعافت. و صارت الحراسة مشددة على النفق المحفور لمنع الخائنين.

فقراء كتارا

دلفت سيدة من إقليم كتارا إلى البيت وتحدثت بلغتها مع الملك تميم. كانت بلادها قد تعاقدت مع أرض زيكولا باتفاقية البشر مقابل الديون دون علم أهل زيكولا بذلك. كان الفقراء يُحملون بقسوة في عربات و كذلك فقدت السيدة أبناءها. فقدمت إلى أرض زيكولا للبحث عنهم.

الباب الثاني

في طريق العودة، لمح ملك أماريتا منخفضا شد انتباهه فسلكه مع حصانه حتى وصل إلى طريق كمسار الثعبان حيث وجد جمجمة ميت. و في النهاية وجد نفسه أمام سور زيكولا. بات ليلة لمح على إثرها جنديا ينقض على حصانه و يدخل به إلى المدينة عبر باب أرضي.  سلك الأماريتي طريقا وعرا و عاد إلى أرض زيكولا فأخبر الرفاق أنه وجد طريق فقراء كتارا إلى هذه الأرض. كان جيش أماريتا هو الأضخم فكان على جيش زيكولا التراجع إلى الأسوار و من ثم يُغلق الباب.

خرج الرفاق و قد طفق الزيكوليون يجلون الرعية من منطقة إلى أخرى استعدادا لقدوم الجيش. في الزحام هجم الأماريتي على القاضي و كشف عن رأس خالد فعُرف فامتطى جواد الحارس و انطلق نحو الباب و فر خارج الأرض. اعتُقل الأماريتي بعد أن اكتشف القاضي وشمه الدال على ملك المدن الأماريتية الخمسة. لقد ضحى ملك أماريتا بنفسه من أجل خالد.

هجوم جيش أماريتا و نصره

وصل خالد إلى بحر مينجا فوجد جيش أماريتا فالتقى بجرير و مدّه بورقة تدل على طريق الباب الثاني لزيكولا بخط الملك تميم. فوراء هذا الباب أسرارا تنجيهم من تهمة الخيانة. فسّر أن الملك، بعدما أغلقت زيكولا بابها، فكر في العبور عبر الباب الثاني، بجواد الحارس الذي اعتاد عبوره، لذلك قرر تشتيت ذهن ذلك الحارس باعتقاله فتمكن خالد من الحصول على الجواد و الفرار. اتفقا أن يعبر الطريق إلى السور مع مائة و خمسين ألف مقاتل.

تمكن جيش خالد و جرير من الوصول إلى المنخفض الصخري و التقدم نحو باب زيكولا الثاني. بعد عبوره لمح خالد إكتاريين مساكين مكبّلين في غرف فبدأ الجنود بتحريرهم من أغلالهم. لقد كان الزيكوليون ينقلون ذكاءهم بالكامل إلى الخزائن.

وقف الملك تميم على منصة المحاكمة أمام حشد من الناس و حكم القاضي بتوزيع وحدات ذكاءه على الجنود الجرحى ثم قتله. فصعدت أسيل لتنصره فأعلنها القاضي خائنة أيضا. حينها ظهرت جنود جرير.

أطلق الجيش الأماريتي المجانيق نحو زيكولا و دلف حشد من فقراء كتارا يقودهم خالد منطلقا إلى المعركة. و هُزم الجيش الزيكولي و نجا ملك أماريتا و أسيل وتم توزيع وحدات الذكاء المخزونة على فقراء إكتارا. عاد خالد و منى، بقيت أسيل في أرض زيكولا، و رحل ملك أماريتا و تزوج إياد و قمر.  

 

 

 

 

 

      

 

 

 

 


الاثنين، 21 ديسمبر 2020

أرض زيكولا للكاتب عمرو عبد الحميد: رواية خيالية عن أرض الذكاء

 أرض زيكولا للطبيب و الكاتب المصري عمرو عبد الحميد هي رواية صدرت لأول مرة في 2010. يضم الكتاب 288 صفحة. هي قصة شاب أراد المغامرة لإثبات جدارته و أحقيته بالزواج من حبيبته فقرر النزول إلى السرداب الغريب الذي حدثه عنه جده. فوجد نفسه في أرض زيكولا و هي عالم مختلف حيث لا ساعة و لا تلفزيون و لا كهرباء. البيع و الشراء يتمان بتداول وحدات من الذكاء. صار يتوق للعودة إلى الوطن و لكن ليتمكن من الخروج من تلك الأرض كان عليه أن يجد كتابا ثم أن يحل لغزا وجده فيه. نجح في ذلك بمساعدة أصدقاء تعرف عليهم كما نجح في الإفلات من الذبح الذي كان مصير أفقر فقير في أرض زيكولا.

الرواية خيالية شيقة مليئة بالأحداث و مكتوبة بأسلوب لغوي سهل، تشد القارئ. 

السرداب المؤدي لأرض زيكولا

خالد حسني شاب يتيم الأبوين، متخرج من كلية التجارة بالقاهرة و يعمل بمخزن أدوية. قوبل طلب زواجه من منى بالرفض لثمانية مرات. كان يعيش مع جده الذي قد حدثه عن قصته مع سرداب يحوي كنزا و لم يعد منه من ذهب إليه، و هو سرداب فوريك. صمّم خالد على النزول إلى السرداب لأنه كان يريد إثبات جدارته.  خرج خالد في ليلة مقمرة و تمكّن بصعوبة من التوغل في السرداب. هناك انهارت الجدران فظل يركض لينجو حتى خرج من فتحة فوجد نفسه في صحراء. ثم تمكن من ركوب عربة تسلك الطريق الطويلة المؤدية لأرض تقع قرب الصحراء، اسمها أرض زيكولا.

أرض زيكولا الغريبة

داخل المدينة أكل خالد في مطعم و ابتاع زيا جديدا دون أن يدفع نقودا. و في الكرتين قيل له: "أيها الغني". كان يجد أرقام وحدات في أماكن البيع و الشراء. و ليس هناك إضاءة بالكهرباء، بل بالنيران. كان الناس يستعدون للاحتفال بيوم زيكولا و فيه يُذبح أفقر شخص بالمدينة، مرة في كل سنة، و يومها فقط يمكن لباب المدينة أن يُفتح و لا يمكن الخروج منها إلى في ذلك اليوم. يومها رأى فتاة ترمي بالورود على المارّين، إنها أسيل، طبيبة المدينة. تمت عملية الذبح أمام جمع غفير و تواصلت الاحتفالات.

فسّر يامن، و هو من سكان أرض زيكولا، لصديقه الجديد خالد، أن في هذه الأرض العملة التي تستعمل للبيع و الشراء هي وحدات الذكاء. و الوحدات تنتقل تلقائيا و ليس عن طريق اليد. فالغني هو الذكي و الفقير هو الأقل ذكاء. تمكن خالد من إنقاذ طفل كاد يغرق و لم يأخذ أجرا على ذلك. فالتقى بأسيل الطبيبة و تعارفا.

الكتاب

بدأ خالد يعمل في صنع الطوب من أحجار الجبل مع صديقه يامن ليكسب وحدات الذكاء. يوما زارا بائع كتب فحدّث البائع العجوز خالد عن كتاب قد باعه منذ زمن بعيد بسعر ثمين يتحدث عن سرداب فوريك. فكر خالد أنه  بإمكانه  الخروج من أرض زيكولا بفضل هذا الكتاب، و أنه قد يكون صاحب الكتاب والده ! و انطلق خالد في مغامرته للبحث عن الكتاب. أما أسيل فقد أعجبها اختلافه عن باقي الرجال البُلهاء إذ كان لا يأخذ أجرا عند تدخله لإنقاذ شخص ما (الغريق و طفل أصيب بضربة شمس).

أخبرته سيدة عن رجل يشبهه التقت به منذ 20 سنة، في المنطقة الشمالية. فذهب إليها و هناك حدثته فتاة عن شخص قتل أباه ليرثه فورث كتابا، ثم قادته إليه. كان اسمه هلال و كان فقيرا سكيرا.استنتج خالد من حديثه معه أن الرجل المقتول هو أباه و قد أفنى ثروته في ثمن كتاب. اتفق الأخوان على أن يشتري خالد الكتاب بربعمائة وحدة و ذلك بعد أن يجمع المبلغ بعد مهلة شهرين. فركز على توفير الوحدات طوال الشهرين ثم اشترى الكتاب.

اللغز

في الكتاب وجد لغزا لمن يريد العودة إلى بلده عبر سرداب فوريك. توصل خالد، بعد تفكير في حلّ اللغز، إلى أن عليه أن يذهب إلى المنطقة الغربية من أرض زيكولا. فاصطحبه إليها صديقاه يامن و أسيل. كانوا يبحثون عن "رأس" ذُّكر في اللغز. فتوصلت أسيل إلى زاوية منفرجة لسور زيكولا تكون بنفسها رأس مثلث. لكن الرأس خارج السور فلا يمكن الوصول إليه إلا حين يفتح الباب يوم زيكولا.

فتمكن أصدقاءه من إيجاد حيلة لحفر نفق يمكّنه من الخروج، و هي حيلة كلفته عددا كبيرا من الوحدات فصار فقيرا. لقد تعود منذ دخل أرض زيكولا أن يكتب على أوراق ما عاشه فيها و من بين ذلك كتب عن حبه لأسيل. أدركت أسيل ذلك.

ذبيح زيكولا

عمل في تكسير الحجر ليستعيد ذكاءه لكن الوقت لم يكفه لذلك، فقبض عليه لفقره ليُعرض على الأطباء قبل يوم زيكولا. ثم تم اختياره ضمن الأفقر. كان على أسيل أن تفحصهم لتحديد الثلاث الأفقر، فاحتارت  ثم اختارت ألا تظلم أحدا. ففحصت الفقراء و كانت نتيجة فحصها أن خالد كان من بين الثلاث الأفقر. مر خالد بذلك للمنافسة الأخيرة.

أسفرت لعبة المنافسة الأخيرة عن خسارة خالد ليكون بذلك ذبيح أرض زيكولا. صُعقت أسيل و غادرت مكانها و يملؤها الإحساس بالذنب، سيموت من تحبه في الغد. ثم ذهبت إليه و قبّلته.

النجاة و العودة

يوم الذبح سيق خالد في عربة وسط الاحتفالات في أرض زيكولا. على المنصة وقف خالد ففوجئ بصياح الطفل الذي كان قد أنقذه من الغرق و صياح أم الطفل الذي كان قد أنقذه من ضربة شمس و معهم العمال الذين عمل معهم و يامن. كانوا كلهم يهتفون أنه غني و لا يجوز ذبحه. فطلب الحاكم من طبيب أن يقيّم وحدات الذكاء عند خالد فاتضح أنه غني فأطلق سراحه. تركت له أسيل رسالة تفسر فيها أن القبلة قد جعلته غنيا من جديد و أنها تتمنى له أن يعود لوطنه ليلقى منى، أما هي فهربت إلى وطنها.

قصد خالد النفق الذي تم حفره فزحف حتى صار في أرض رملية خارج أرض زيكولا. ثم وجد نفسه في نفق آخر ثم في سرداب فوريك. فعبره ثم اجتاز النفق بصعوبة حتى قفز إلى الخارج ثم وصل إلى بيت جده.

بعد العودة وضّحت منى لخالد أنها لن تتزوج أحدا غيره و آل الأمر بينهما إلى الخطبة ثم الزواج.

لنتابع الأحداث في الجزء الثاني: أماريتا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الأربعاء، 16 ديسمبر 2020

كليلة و دمنة: الفيلسوف الهندي يعظ الملك بقصص عن البهائم



كتاب كليلة و دمنة لبيدبا الفيلسوف الهندي عرّبه عبد الله ابن المقفع (724-759م) و هو فارسي الأصل. هو كتاب يرمي إلى إصلاح الأخلاق و تهذيب العقول و فيه ما يعين الملوك على تدبير أمور ممالكهم. الأسلوب سهل و الألفاظ قوية المدلول و نجد فيه أرفع درجات البلاغة. يضم الكتاب 15 بابا في 156 صفحة.

صاغ الفيلسوف بيدبا كتاب كليلة و دمنة لدبشليم ملك الهند وهما كمثل الحكيم المثقف يخاطب السياسي صاحب القرار بما يعينه على شؤون الحكم. في الكتاب يطرح الملك إشكالا و يجيبه الفيلسوف بأمثلة من القصص عن البهائم. فوردت على لسان  بيدبا الفيلسوف و ابني آوى كليلة و دمنة و بعض الحيوانات قصص تحمل أمثلة و عبرا. و من المواضيع المطروحة في الكتاب:

الحسد، العداوة و المصالحة، التعاون، الغدر، الانتقام، القرب من السلطان، سن الأحكام و اتخاذ القرارات، التفكر في العواقب، اتباع الحكماء، التسرع و الندم، القدر...

بعث كسرى أنوشروان ملك الفرس الطبيب برزاويه إلى الهند للحصول على هذا الكتاب القيم. ثم عربه من الفارسية إلى العربية عبد الله بن المقفع.  

باب مقدمة الكتاب

كان في الهند ملك اسمه دبشليم طغى و تجبر فهابته الرعية. فكر الفيلسوف بيدبا في صرف الملك عما هو عليه فجمع تلاميذه يحثهم على مجاهدته بالحكمة.  

"على أن العاقل قد يبلغ بحيلته ما لا يبلغ بالخيل و الجنود"

المثل في ذلك أن قنبرة (نوع من العصافير) باضت في عش مر عليه الفيل فتهشم البيض. فاشتكت القنبرة إلى العصافير فاجتمع جمع منهم ينقرون عيني الفيل حتى ذهب بصره. صار لا يهتدي لموضع الماء الذي يشرب منه. ثم طلبت من الضفادع أن تنقنق قرب هاوية فيحسبها الفيل موضع الماء فأقبل حتى وقع في الهاوية.

أقدم بيدبا على دبشليم بالسكوت. كان الملك يحترم مقام الحكماء:

 "الحكماء أغنياء عن الملوك بالعلم و ليس الملوك بأغنياء عن الحكماء بالمال". 

وعد الملك أن ينظر إيجابا في أمره فاستبشر بيدبا. ثم تكلم فأثنى على ملكه و ما ورث، ثم لامه على طغيانه و نصحه بحسن النظر إلى الرعية و سن الخير ليبقى ذكره بعد أفول عهده.

رأى الملك أن بيدبا تجاوز حده فيما قاله فأمر بسجنه. في ليلة أرق تفكر الملك في حركات الكواكب فتذكر كلام الفيلسوف فأرهقته الندامة إذ رأى أنه عامله بضد ما يستحق. فطلب أن يأتوه به.

فسر بيدبا أنه أراد من كلامه توجيها للملك لصلاح الرعية و دوام الملك. أعاد الخطاب و اقتنع دبشليم فقال أنه عامل بما أمر بيدبا و عيّنه وزيرا. و مضى الأمر على حسن السيرة و العدل في الرعية.

طلب الملك من بيدبا أن يكتب كتابا يخلّده ظاهره سياسة و باطنه أخلاق، مشتملا على الجد و الهزل و الحكمة. ضم الكتاب خمسة عشر بابا و سُمّي كليلة و دمنة. جعله على لسان البهائم و فيه حكم لأمور الدنيا و الدين.

باب بعثة الملك كسرى أنوشروان بن قباذ بن فيروز برزويه بن أزهر الطبيب إلى الهند في تحصيل هذا الكتاب

نقل الكتاب من الهند إلى بلاد فارس بمعية الملك كسرى أنوشروان و هو أكثر ملوك الفرس حكمة، و قد كُلّف الطبيب برزويه بهذه المهمة.

و من جمال اللغة العربية في كتاب كليلة و دمنة نذكر مقطعا في وصف كسرى أنوشروان: 

"و قد رزق الله ملكنا السعيد كسرى أنوشروان من العقل أفضل الحظ و أجزله و من العلم أجمله و أكمله، و من المعرفة بالأمور أصوبها. و سدده من الأفعال إلى أسدها و من البحث عن الأصول و الفروع إلى أنفعه" 

و يطلعنا رفيق برزويه على ثمانية خصال لعقل الرجل:

"و إن عقل الرجل ليبين في خصال ثمان: الأولى منها الرفق. و الثانية أن يعرف الرجل نفسه فيحفظها. و الثالثة طاعة الملوك و التحري لما يرضيهم. و الرابعة معرفة الرجل موضع سره و كيف ينبغي أن يطلع عليه صديقه. و الخامسة أن يكون على أبواب الملوك أديبا ملق اللسان. و السادسة أن يكون لسره و لسر غيره حافظا. و السابعة أن يكون على لسانه قادرا فلا يتكلم إلا بما يأمن تبعته و لا يطلع على سره إلا الثقات. و الثامنة أن لا يتكلم في المحافل بما لا يُسأل عنه" 

باب الأسد و الثور

سمع أسد خوار ثور و لم يكن قد سمع مثيله سابقا فتملكته خشية و لم يبرح مكانه. و كان فيمن معه ابنا آوى و اسمهما كليلة و دمنة و كانا ذوي دهاء. تساءل دمنة عن سبب ترك الأسد لنشاطه العادي فقال له كليلة أن لا يتكلف فيما لا يعنيه، و حكا في ذلك مثل القرد و النجار:

كان النجار يشق خشبة و يضع وتدا كلما شق ذراعا. عند غياب النجار تكلف القرد ما ليس من شأنه فركب الخشبة و ذنبه يتدلى في الشق، نزع الوتد فأصابه ألم كبير. ثم قدم النجار فأشبعه ضربا.

أعرب دمنة عن رغبته في أن يتعرض للأسد يرجو منزلة عنده فسيسعى لبلوغ مكانة رفيعة بجهده. كان هدفه أن يعين الملك على الأمر الصواب حتى يدرك جودة فكره فيقربه إليه. حذره كليلة من صحبة السلطان و لكنه كان شجاعا عازما. تكلم دمنة أمام الأسد بحكمة فاستحسن كلامه و أعجب بمقالته الحكيمة. فبعثه إلى الثور شتربة فأقدم وقص قصته فبلغ إعجاب الملك به مبلغا كبيرا حتى جعله من خاصته. فغلب الثور دمنة منزلة  فحسده.

ظل دمنة يحرش الأسد على الثور بطيب الكلام و يضرب الأمثلة بدهاء ليثنيه عن صحبة الثور و زاد في احتياله ليوقع بينهما العداوة. آل الأمر إلى أن قتل الأسد شتربة و لكنه ندم إذ ذكر عقله و خلقه.

طفق كليلة يلوم دمنة على جنايته فسمعهما نمر فباح بما شهد لأم الأسد فأخبرته. طلب الأسد دمنة فأطنب في البيان و لكنه سُجن. في السجن عاتبه كليلة فسمعهما فهد. طالب القاضي الجمع بالبوح بما يعرفون من أمر دمنة فأدبر الحيلة و ضرب الأمثال. ثم كان أن شهد النمر و الفهد ضده فأُمر بقتل دمنة.

أمثلة من الٌقصص في كتاب كليلة و دمنة

مثل السمكات الثلاث:

كان في غدير ثلاث سمكات: كيسة(حسنة التأني)، و أكيس منها و عاجزة. و بقرب الغدير كان هناك نهر. مر صيادان فقالا أنهما سيعودان لاصطياد السمك فسمعت قولهما السمكات. أكيسهن نجت بأن سبحت إلى النهر. الكيسة الأخرى تهاونت حتى جاء الصيادان فسدّا المكان المفضي إلى النهر. فتماوتت فطفت على الماء فأخذاها و وضعاها على الأرض فقفزت إلى النهر و نجت. أما العاجزة فأقبلت و أدبرت حتى صيدت.

مثل الرجل و الطائر:

كان هناك جماعة من القردة رؤوا في ليلة باردة يراعة (ذبابة تطير ليلا كأنها نار) فحسبوها نارا. فألقوا عليها حطبا و جعلوا ينفخون طمعا في إشعال النار. كان هناك طائر فقال لهم أن يتوقفوا فهي ليست بنار فمر به رجل نهاه عن ذلك قائلا أن لا فائدة من محاولة تغيير ما لا يتغير. لم يسمعه فتقدم إليهم مصرا لينهاهم فقتلوه.

مثل الناسك و ابن عرس:

كان لناسك امرأة و لم يرزقا بطفل لمدة سنوات فلما حملت فكّر في أن يكون غلاما فيختار له إسما و يسخّر له المؤدبين. فقالت له أن لا يتكلم فيما لا يدري فصيبه كما أصاب الناسك فحكت له:

يحكى أن ناسكا تجمع عنده رزق من السمن و العسل يضعهما في جرة معلقة. ففكر في غلائهما و قال: سأبيع الجرة و أشتري أعنز تتكاثر و تصبح بعد سنين أربعمائة عنزا. ثم سأشتري بقرا و أرضا ثم بيتا ثم أتزوج. فأشار بيده إلى الجرة فكسرها !  

فاتعظ الناسك بقول زوجته بعدم العجلة في ذكر ما لا ينبغي ذكره. رزقت بولد تركته يوما ما برفقة الناسك و بدوره ترك معه ابن عرس يحرسه ليلبي دعوة الملك. في الأثناء خرجت حية دنت من الطفل فتمكن ابن عرس من قتلها و امتلأ فمه بدمها. لما عاد الناسك رأى الدم فظن متسرعا أنه خنق ولده فقتله. أدرك أنه ارتكب خطأ فادحا لما رأى ابنه و الحية الميتة.

 

حكم من كتاب كليلة و دمنة

  • الزم السكوت فإنّ فيه السلامة. و تجنب الكلام الفارغ فإنّ عاقبته الندامة
  • في مجلس ملك تكلم أربعة من الحكماء فقال كل واحد حكمة:

أفضل خلة العلماء السكوت

إن من أنفع الأشياء للإنسان أن يعرف قدر منزلته من عقله

أنفع الأشياء للإنسان أن لا يتكلم بما لا يعنيه

أروح الأمور للإنسان التسليم للمقادير

  • العقل غريزي مطبوع و يتزايد بالتجارب و الأدب
  • رأس الأدب حفظ السر
  • إن العلم لا يتم إلا بالعمل
  • من كان سعيه لآخرته و دنياه فحياته له و عليه، و من كان سعيه لدنياه خاصة فحياته عليه، و من كان سعيه لآخرته فحياته له
  • آفة المودّة النميمة
  • إن ثلاثة لا يجترئ عليهن إلا أهوج و لا يسلم منهن إلا قليل، و هي صحبة السلطان، و ائتمان النساء على الأسرار و شرب السّم للتجربة
  • لا خير في القول إلا مع العمل
  • إن البحر بأمواجه و السلطان بأصحابه
  • لا تلتمس تقويم ما لا يستقيم
  • إن أحمد الناس عاقبة في الدنيا و الآخرة أكتمهم للسر
  • إن فساد عامّة الأشياء يكون في حالتين: إحداهما إفشاء السر و الأخرى ترك عقوبة من يستوجب العقوبة
  • كما تدين تُدان
  • يعد جاهلا من تكلف من الأمور ما لا يشاكله و ليس من عمله
  • لا ينبغي لذي العقل أن يحتقر أحدا من الناس حتى البهائم

 

 

 

 

 

  

الخميس، 10 ديسمبر 2020

التوت المر للكاتب التونسي محمد العروسي المطوي: في قرية من الجنوب التونسي في الستينات من القرن العشرين

 


التوت المر هي رواية تونسية للكاتب محمد العروسي المطوي، صدرت في 1967. تضم 200 صفحة . تم اختيارها ضمن أفضل 100 رواية عربية.

تدور الأحداث في قرية في الجنوب التونسي حيث يعمل الفلاحون، يحتسون الشاي أمام الكوخ و يمتطون الحمار لشق المزارع. البعض فيها يدخنون حشيشة التكروري التي تذهب العقل. فعزمت ثلة من الشباب على القضاء على هذه العادة اللعينة. لامسنا السعادة في موقعين أولهما نجاح الشباب في مقاومة التكروري ثم في زفاف عبد الله من عائشة الكسيحة رغم رفض أمه.

المستوى اللغوي بسيط و سهل، أنصح بقراءتها بداية من سن 14 سنة.  

الشخصيات الرئيسية في رواية التوت المر لمحمد العروسي المطوي

الشيخ مفتاح يعمل فلاحا في سانية (ضيعة) سي صالح و له ابنتان مبروكة و عائشة و هي ذات إعاقة تجعلها تمشي على ركبتيها. و قد ماتت أمهما في سن الثلاثين. صارت مبروكة هي ربة البيت. هم من قبيلة المحاميد، جاؤوا من ليبيا ليستقروا في بلدة في تونس. كانوا من الفقراء الهاربين من حرب الطليان.

كانت الصلة قوية بين عائلة الشيخ مفتاح و عائلة الحاج علي والد فاطمة و عبد الله رغم التفاوت الاجتماعي.

كان الحاج علي فلاحا عُرف بوجاهته و دماثة أخالقه وانطبق ذلك أيضا على أفراد أسرته.  

"الحاج علي كان يتولى بستانه بنفسه و يقوم بجميع شؤونه...يعزق الأرض، يجر السماد و يخلطهن و يسقي و يبذر، ينقي الطفيليات و يزيلها، يمحش عن الخضر و البقول. و في الربيع يؤبر نخيله، و في مقتبل الخريف يجرد خوصه و سعفه و يقطع أعذاقه و يجمع تموره"

أما إعاقة عائشة فهي كالآتي:

"كانت تستعمل ركبتيها كما يستعمل الناس أقدامهم. أما قدماها فكانتا مرفوعتين إلى فوق، إلى السماء كأنهما تتجهان إلى الله بالدعاء مثلما ترفع جدتها أكفها عندما تتضرع إلى الله بالخاتمة الحسنة و سعادة الدارين للأولاد و الأحفاد"

رأى عبد الله عائشة

علم عبد الله بأمر عائشة الكسيحة فأشفق عليها. رأى في حلم أنه يبارز فتاة جميلة في لعب "التريسيتي" و لم يكن قد رأى في حياته ذلك الوجه، ففكر في عائشة.

لما رأى عبد الله وجه عائشة الصبوح: "كان شارد اللب، ساهم النظر، مضطرب البال". و تذكر الأغنية المشهورة: "بخنوق بنت المحاميد عيشة". تعلقت صورتها بذهنه و تساءل، هل هو الحب؟ أم هي عاطفة إشفاق؟

التكروري

سهر عبد الله مع رفاقه فاستهلك حشيشة التكروري بحيلة منهم فطفق ينشد و يغني متأثرا بها، و ذلك على عكس عادته إذ كان يرفض الكلام عن الحب. و عندما خرج من السهرة فزع فأنذر أصحابه من وجود ثعبان، و لم يكن غير جذع نخلة حسبه هامّة. ضحكوا إذ فهموا أنه من مفعول الحشيشة. في البيت وجد طاجينا كبيرا في المطبخ أكل محتواه و لم يدرك أنه كان طينا. ففي الغد أصبح مريضا و التحق بالمتجر متأخرا. ثم رمى نفسه بالنزق و اعتبر أن أصحابه ضحايا لتلك العادة التي ذهب ضحيتها عدد من الأفراد في القرية. اتخذ بعد ذلك عبد الله موقفا صارما من أصحابه و انتهى بهم الأمر إلى المصالحة و ترك تلك العادة.

القرية في الجنوب التونسي في رواية التوت المر

النخلة:

"كانت النخلة "عمارية" عتيقة تشمخ بسموقها عما حولها من نخيل...صعد فوقها مرة فبدت له سطوح المنازل كأنها القصاع الموزعة هنا و هناك...لم يستطع أن يرى سطح منزلهم...كان بعيدا تحجبه دار جارهم المرتفعة...إذا نظر إلى أسفل بدا له قسم كبير من الواحة...بساتين الجيران و أبناء العم ...بستان سي صالح...التوتة الكبيرة...الخص الذي يسكنه الشيخ مفتاح الآن؟ ...ما زال كما عرفه و هو غلام يافع...لم يتغير."

الحيوانات:

"كانت الحركة بدأت تدب في الحوش: خرجت نعجة من الزريبة. و سرح الدجاج يبحث عن قوته. و حومت يمامة حول البئر ثم ركست فوق الدلو طلبا لحسوة ماء، بينما هو ما يزال يسبح في عالم يقظته المتواصلة و هواجسه المتشابكة"

العين:

"الأرجل تتدلى في الحوض، تخضخض الماء المتدفق من حلقوم العين لينصب في قاع الحوض. ثم يندفع بقوة صاعدا إلى أعلى فوارا مبيضا كأنه ممزوج أو مخلوط بالثلج...زبد الماء الفوار هو البصيص الوحيد من الضوء يبدو باهتا ضعيفا وسط الليل المظلم. و شرشرة الماء تكوّن مع أصوات الصراصير ما يشبه انسجاما موسيقيا رائعا في هذا السكون المخيم على الواحة"

مقاومة التكروري في رواية التوت المر

وقّع الرفاق على صيغة يمين لمقاطعة التكروري و أطلقوا على أنفسهم إسم "جمعية إنقاذ الشباب" ثم شرعوا في التخطيط  و الإنجاز. ثم اتضح أن والد أحد من الرفاق، إبراهيم، متواطئ مع الجندرمة الفرنسيين  للإيقاع بأعضاء الجمعية. فوجد إبراهيم الحيلة المناسبة لإثناء والده عن صنيعه.

الزواج

أراد عبد الله خطبة عائشة فجابهه والداه بالرفض و السخط. زفت إليه في عرس بهيج و لكن هجرته أمه.

"جحفة مزركشة زاهية الالوان يحملها جمل يتهادى مختالا تتقدمه زنجيتان تحملان مجامر البخور و تتفننان في ضروب الغناء و الزغردة"

يوم وَلدت عائشة انطلقت ساقاها و زال الشلل !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحفيدة الأمريكية للكاتبة إنعام كجه جي: عراقية أم أمريكية؟

  ا لحفيدة الأمريكية للإعلامية و الكاتبة العراقية المقيمة في فرنسا إنعام كجه جي ، هي رواية صدرت سنة 2008 تضم 197 صفحة، رُشّحت لنيل جائزة ال...