الأحد، 22 نوفمبر 2020

القدس ظل آخر للمدينة للكاتب والصحفي الفلسطيني محمود شقير: مدرس و صحفي و سياسي فلسطيني

 القدس ظل آخر للمدينة للكاتب والصحفي الفلسطيني محمود شقير هو كتاب صدرت طبعته الأولى سنة 2009 و يظم 198 صفحة.

بعد سنوات من النفي يعود محمود شقير إلى وطنه. يزور أماكن في القدس كان يتردد عليها في شبابه ليلاحظ ما جرى فيها من تغيير بمرور سنوات. فكانت ذكريات الطفولة و الصبا تتدفق أمام تلك الأماكن.

يحدثنا محمود شقير عن أجداده و أفراد من عائلته وعن حكايات القرية في صباهيتجول بنا بين شوارع القدس و يحدثنا عن المنازل، الشوارع، الأحياء، الأسواق، الشبابيك، المقاهي و الشخصيات الفلسطينية التي عرفها (طبيب، شاعر، قائد، رئيس تحرير، ناقد). تحدث محمود شقير عن عمله في التدريس، في الصحافة و في النشاط  الحزبي، و عن النفي خارج الوطن و عن الإعتقال.


بعد ثماني عشرة سنة في المنفى في عمان، يعود الكاتب إلى الوطن، فلسطين، و معه زوجته و ابنته في نيسان من عام 1993. استقبله الأهل بالعناق و الفرح. في أريحا، في طريقه مر بمستوطنة بنيت فوق بقعة من الأرض تزوج فيها أباه و أمه، ثم بحي الصلعة حيث أقامت جدته، ثم بجبل المكبر الذي وقف عليه عمر بن الخطاب. أقبل عليه المراسلون يجرون معه حوارات تصف مشاعره عن العودة إلى الوطن.

العودة و ذكريات الطفولة

كان في صباه يسكن في قرية في محيط القدس، وكان يتردد على المدينة. كان يرافق أباه فيجتازا أماكن منها باب الخليل حيث "القهوة المعلقة" التي هدمها الإسرائيليون بعد حرب 1967 و بنوا بناية جديدة لطمس الهوية الأصلية. كان يندهش لرؤية الأسواق القديمة للمدينة. ذهب مرة لدير الراهبات مع أمه و أخته التي كانت تحتاج إلى علاج. و يومها دوّى انفجار قامت به إحدى المنظمات الصهيونية.

و من ضمن الأماكن التي مر بها في الطفولة أيضا مبنى الكلية العربية، جورة العناب التي عاش فيها جبرا ابراهيم جبرا، بركة السلطان...

زار أماكن غاب عنها سنوات ليرى مقدار التغيير الذي طرأ عليها: مقر جريدة "الجهاد" التي أصبح اسمها "القدس"، شارع صلاح الدين، شارع عمرو بن العاص، شارع الزهراء...

و من بين الذكريات، في كتاب القدس ظل آخر للمدينة،  ذكرى تظاهرة ضد الاحتلال سنة 1968:

 "تنطلق التظاهرة من المسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة، و تصل إلى باب العامود. ينتظرنا رجال الشرطة الإسرائيلية و حرس الحدود خارج السور. يسلطون علينا خراطيم المياه الملونة،  ثم يشتبكون معنا و هم يضربوننا بالهراوات"


العمل الصحفي و النشاط السياسي

في كتاب القدس ظل آخر للمدينة يصف محمود شقير عمله الصحفي و التعليمي و الحزبي. إذ عمل في صحيفة "الطليعة"، في حي الشيخ جراح، ثم صار رئيس تحرير لها و اضطلع بمهام سياسية. 

في نفس الحي، سنة 1964 كان قد دخل إلى فندق الإمبسادور الذي تم فيه الإعلان عن ولادة منظمة التحرير الفلسطينية، و كان اللقاء قد قربه إلى العمل السياسي. و في بداية السبعينات تعرف على فرقة مسرحية اتخذت مقرها في منزل في نفس الحي الذي يتعرض الآن للتهويد. كما شهد على هدم بيت أخته من طرف جرافات الإحتلال في حي الصلعة.

كان في الماضي يحضر اجتماعات الأحزاب السياسية: حركة الإخوان المسلمين و حزب البعث العربي الإشتراكي. كان يتابع الأخبار في المذياع في فترة العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956.

عمل أربعة سنوات مدرسا في قرية خربثا بني حارث و فكر خلالها بالزواج. كان متأثرا بالإعتبارات المتحفظة السائدة في وسطه الأسري حتى استقر الرأي على بنت من بنات القرية. تم الزواج سنة 1961 و عاشت معه في جبل المكبر.

سافر إلى دمشق لدراسة الفلسفة و الدراسات الاجتماعية.

في وطنه كان له محاولات أدبية يبعث بها للصحف المحلية و لم تنشر. و لكن شجعه رئيس تحرير مجلة "الأفق الجديد"، و مقرها في القدس، على القصة القصيرة. فثابر حتى صار من كتّاب المجلة.

تأمل تطور الحياة في القدس إذ بنيت الفنادق و انتشرت المقاهي و المطاعم و محلات المرطبات و الإستثمارات الفردية.  كان يتحاور مع أعضاء من الحزب الشيوعي و طلب الإنتساب إلى الحزب سنة 1965 .و كان آنذاك مدرسا في مدرسة في مدينة البيرة ثم في مدرسة ثانوية في أريحا ثم في قرية بدو شمال غربي القدس، و ذلك إلى جانب عمله كمحرر في صحيفة.

وصف القدس

في كتاب القدس ظل آخر للمدينة يصف لنا الكاتب سوق باب خان الزيت المزدحم، ثم سوق الدباغة، سوق العطارين...كما يصف قبة الصخرة و الحرم الشريف و شبابيك القدس القديمة. 

 و في تأمله للبنايات الحجرية القديمة يكتب:

 "و هي تشتمل على غرف واسعة ذات سقوف عالية، و لها شبابيك مستطيلة تنتهي أحيانا من جهتها العليا بأقواس. و لبعضها، كما هو الحال في مبنى الطليعة، أدراج صاعدة إلى الطابق العلوي من الطرف الخارجي للبناء، و هي محاطة بدرابزينات من حديد، و أما سطوحها فهي على الأغلب من القرميد."

وصف لنا الكاتب القدس المليئة بالحياة:

" و كنت أراقب المدينة و هي تزدحم في أيام الجمع، بالمصلين الذي يأتون إلى المسجد الأقصى، من مختلف مدن البلاد و قراها، و تزدحم كذلك بالسياح، و بالحجاج القادمين إلى كنيسة القيامة من كل بقاع الدنيا. فتبدو المدينة كأنها في موسم أو مهرجان، لكن ذلك لم يمنع عنها العدوان".

كما وصف لنا القدس بعد الهزيمة، منكسرة، بأعداد قليلة من الناس، تجوب دوريات الجيش شوارعها، راحت قوات الاحتلال توزع منشورات تشجع الناس على الرحيل. على إثر القتال في جبل المكبر ترك الأهل منازلهم و اتجهوا لبيوت أقاربهم. حضر بعدها اجتماعا حزبيا في القدس.

كانت شبابيك القدس القديمة تتحول إلى مواقع لسكب الزيت المغلي على الجنود و لإسقاط أصص الورد على رؤوسهم. لم يكن من السهل على المقدسيين الحصول على ترخيص للبناء فكانوا يتفننون في تكييف الحيز المتاح لهم ليسع الأسر المتكاثرة.

اظطر فلسطينيون موسرون إلى ترك بيوتهم تحت تأثير القصف ليسكنها من بعدهم يهود أتوا من مختلف بقاع الدنيا. و في البلدة القديمة تحول العديد من الناس الذين فقدوا أعمالهم إلى باعة يدبرون لقمة العيش. كما تعطلت الحياة الثقافية و غابت صحيفة القدس و لم تعد إلى الظهور إلا سنة 1969.

الإعتقالات و النفي بعيدا عن الوطن

و في 27/7/1969، ألقي القبض عليه بسبب نشاطه السياسي و سيق إلى السجن حيث خضع للتحقيق. خرج من السجن في 27/5/1970 متجها إلى القدس و اشتغل بالتدريس.

كان يستمع لأشعار فدوى طوقان و هي تنشد قصائدها المكرسة لبطولات الفدائيين. كما برز المسرح في القدس بإثارته للتحريض ضد الإحتلال. بعد الإنتهاء من التدريس تفرغ الكاتب إلى العمل الحزبي و سعى لتلافي ملاحقات جهاز المخابرات.

قبل هزيمة 1967، كانت مقاهي القدس تشهد حضورا للسياسيين و المثقفين و الأدباء، فاضمحل ذلك بعد الهزيمة. كما طال الاضمحلال شتى مناحي الحياة في المدينة و تحول عدد من المقاهي إلى محال تجارية.

في أثناء حرب 1973، هجم الجنود بحثا عنه و تركوا له أمرا بالمثول عندهم في الغد. فقصد نابلس حيث أقام عند أحد أعضاء الحزب ثم في بيت آخر مع رفقائه ثم في بيت سري في البيرة و عاد بعد مدة إلى بيته. ثم كان من أعضاء هيئة تحرير صحيفة "فلسطين" السرية. أعيد اعتقاله في 19/4/1974 و  أدلى في ذلك بشهادته أمام لجنة تابعة لمجلس السلم العالمي: بقي موقوفا ثلاثة أشهر في سجن رام الله. و السبب في ذلك هو الاشتباه في قيام الحزب بإنشاء خلايا مسلحة لمقاومة الاحتلال. وجد هناك زملاء له قد سبقوه تعرضوا للتعذيب. عاش في فترة الاعتقال التوتر و الخوف و الظلم. و نقل إلى سجن "بيت ليد" قرب طولكرم و بقي فيه ستة أشهر و فيها كان يطالع الروايات و فكر في كتابة رواية.

تم إبعاده عن الوطن في بيروت ثم وصل إلى هلسينكي. غاب عن الوطن ثماني عشرة سنة. قضى منها أحد عشر عاما في عمان يكتب القصة القصيرة و يعمل بالتدريس و الصحافة إضافة إلى نشاطه الحزبي. أقام في براغ ثلاث سنوات ممثلا للحزب في مجلة "قضايا السلم و الإشتراكية" ثم عاد إلى عمان. عندما عرف أن إسمه مدرج ضمن المترشحين للعودة إلى الوطن تولاه ألم ممزوج بفرح:

 "فها هو ذا الوطن يتداخل مع المنفى على نحو حاد، و ها أنذا أتهيأ لإعطاء ما للوطن للوطن، و ما للمنفى للمنفى"


 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحفيدة الأمريكية للكاتبة إنعام كجه جي: عراقية أم أمريكية؟

  ا لحفيدة الأمريكية للإعلامية و الكاتبة العراقية المقيمة في فرنسا إنعام كجه جي ، هي رواية صدرت سنة 2008 تضم 197 صفحة، رُشّحت لنيل جائزة ال...