العبرات للأديب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي هو مجموعة أقصوصات في 183 صفحة، بعضها مترجمة. صدر الكتاب سنة 1916. تشمل المواضيع المطروحة العديد من معاني الأسى كالفراق، الذكرى، الموت، خيبة الأمل، الحسرة...عناوين الأقصوصات: اليتيم، الشهداء، الحجاب، الذكرى، الهاوية، الجزاء، العقاب، الضحية و مذكرات مرغريت. إليكم هذه اللمحة.
اليتيم
من خلال نافذته رأى الراوي شابا
يسكن في البناية المجاورة. كان يمضي لياليه في أسى و همّ دائمين. طرق بابه ذات
ليلة، أحضر طبيبا ليعالج سقمه ، ثم طلب منه أن يفضي له بهمّه، فحدثه بقصته.
عندما كان في السادسة من عمره توفي والده فكفله عمه و عاش معه و مع ابنته التي تعلق بها و صار لا يرى لذة العيش إلا بجوارها. لم يقل لها أنه يحبها إذ كان يدرك أن أبويها لا يوافقان على ارتباطها بفتى فقير بائس مثله. قال:
"كان حبي لها حب الراهب المتبتل صورة العذراء الماثلة بين يديه في صومعته يعبدها و لا يتطلع إليها".
طلبت منه أمها أن يقيم في مكان
لآخر لأنها قررت أن تزوج ابنتها، و يومها أطلق السبيل للعبرات. على إثر فراقه
المنزل رحل رحلة طويلة و صعبة، و كان يستعين بقطرات من الدمع يسكبها في خلوته.
ذات يوم أتت خادم منزل عمه لتخبره
بخبر وفاة محبوبته و أعطته رسالة كانت قد كتبتها له بخط يدها. لقد سرى داء في جسمها بعد
رحيله عنها دون أن يودعها. شعر كأن سحابة سوداء هبطت فوق عينيه.
استشعر موته القريب فطلب من الراوي أن يدفنه من ابنة عمه و معه كتابها.
الشهداء
بعد موت زوجها و والدها و هجرة
أخيها، لم يبق لها غير ولدها. لقيت الكثير من الشقاء في طلب العيش. كانت تحن إلى
أخيها الغائب منذ سنوات كحنين النيب إلى فصالها (الناقة إلى ولدها) فتبكي في
خلوتها و تذرف العبرات. سافر ابنها إلى واشنطن للمشاركة في معرض للرسم و وعدها بالبحث عن خاله
وهناك ربح الجائزة و لكن سرعان ما أدرك أنه عبث من القدر. إذ دله على مكان خاله
بعض الناس فقصد جزيرة موحشة و فيها سجنه بعض الزنج الحاقدين على البيض.
"هنالك علم أن تلك البارقة التي لاحت له في سماء السعادة من الأمل يوم المعرض إنما هي خدعة من خدع الدهر و أكذوبة من أكاذيبه و أن ما كان يقدره لنفسه من سعادة و هناء في مستقبل أيامه قد ذهب بذهاب أمس الدابر، و أصبح صحيفة بالية في كتاب الدهر الغابر"
مضت سنوات و الأم المسكينة تبدو عجوزا حدباء تقف عند أبواب المعابد و على شاطئ البحر تسأل الناس باحثة عن ولدها.
"فلم تزل تبكي ولدها بكاء يعقوب ولده، حتى ذهب بصرها ذهاب بصره، و لكنها لم تستطع عن يوسفها صبرا."
أمّا هو فكان يذرف الدموع و هو يذكر أمه و شقاءها من بعده، ثم أقبلت عليه فتاة حسناء تعاطفت معه و أنقذته من براثن اليأس. و امتزجت العبرات. كانت البنت قد وعدت أمها أن تهب نفسها للعذراء. فعندما اعترض الحب طريقها حارت بين دينها و قلبها فانتحرت. قال معقبا على ذلك أن الله أمرنا بالحب. قال:
"أتظنون أيها القوم أننا ما خلقنا في هذه الدنيا إلا لننتقل فيها من ظلمة الرحم إلى ظلمة الدير، و من ظلمة الدير إلى ظلمة القبر؟ بئست الحياة حياتنا إذن و بأس الخلق خلقنا، إننا لا نملك في هذه الدنيا سعادة نحيا بها غير سعادة الحب و لا نعرف لنا ملجأ نلجأ إليه من هموم العيش و أرزائه سواها"
الذكرى
بعد انهزامه أمام جيوش الملك فرديناند
و الملكة إيزابيلا، وقف أبو عبد الله، آخر ملوك غرناطة، نظر إلى مُلكه و أنشأ يبكي
قبل نزوله إلى السفينة التي ستحمله إلى إفريقيا. وقف شيخ يقول له أن يبكي مادام لم
يحتفظ على الوطن احتفاظ الرجال. كان في خطابه لوم لبني الأحمر على اقتتالهم و
إضاعتهم للإسلام حتى غلبهم الأعداء. سارت السفينة و سجل التاريخ خروج العرب من الأندلس
بعد أن عمروها ثمانمائة سنة.
في إفريقية، كان الفتى العشريني يذكر
بأسى الأناشيد الأندلسية التي فيها ذكرى لأجداده و سلطانهم الغابر. ذهب يوما إلى
غرناطة متنكرا في ثوب طبيب فرأى أبراجها و مآذنها و وقف موقع الخاشع. هناك رأى
فتاة إسبانية مسيحية دلته على خان يلجأ إليه فصار يذكرها. أزارته بعض الآثار، و
صار العطف بينهما حبا.
تجول الأمير في قصر الحمراء المهيب
مع فلورندا متأثرا، وصف لها شقاءه و أعلن لها عن حبه. رآهما "الدون رودريك"، الذي كان يريد
أن يتزوجها، يوم كانا على ضفة جدول، فعزم على الانتقام من الفتى العربي. فساقه إلى
محكمة التفتيش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق