الخميس، 29 أكتوبر 2020

غربة الياسمين للكاتبة خولة حمدي: قصة عن المسلمين العرب في فرنسا

 رواية غربة الياسمين للكاتبة التونسية خولة حمدي صدرت سنة 2015. يضم الكتاب 268 صفحة  (e-book). هي قصة شابة تونسية متحجبة انتقلت إلى فرنسا لتقوم برسالة الدكتوراه في العلوم الإجتماعية. و هناك لقيت مضايقات و صعوبات بسبب لبسها للحجاب. كانت في المترو تلتقي بعمر، باحث مغربي الأصل، و فيه كانا يتحادثان عن المطالعة و الكتب. أحبها و لكن لم ينتهج أسلوب الفرنسيين في التقرب إليها.

حدث انفجار في شركة الكيميائيت التي يعمل فيها عمر و اتُّهم هو بالعمل الإرهابي. دافعت عنه رنيم، محامية من أصل مصري، و رفيقة ياسمين. صدر الحكم بالسجن عشرين عاما. و بعدها تحصلت رنيم على اعترافات تفيد ببراءة موكلها و قررت الاستئناف. أمّا ياسمين فقد عُرض عليها الزواج من قبل مهندس شاب مسلم.

الأسلوب اللغوي للكتاب سهل، القصة شيقة و مليئة بالمفاجئات. النهاية بقيت مفتوحة لخيال و توقعات القارئ.  

رنيم

بعد دراستها الجامعية في القاهرة، انتقلت إلى مارسيليا لتكون محامية مساعدة في مكتب ميشال. أحبت رئيسها و تبرعت له بكليتها لتنقذه و لكنه رفض الزواج منها إذ أنه لا يريد عقدا مكبلا. كما أنه سعى لإبعادها عنه لتعمل في مكتب آخر في باريس.

ياسمين

وصلت ياسمين عبد القادر إلى ليون حيث يسكن أبوها مع زوجته و أبنائه. كانت قد عادت بها أمها بعد طلاقها إلى تونس و هي في الرابعة من عمرها. و هي الآن تلبس الحجاب  و سافرت لتتم دراستها. كانت هي متمسكة بهويتها المسلمة و أخواها غائصان في الثقافة الفرنسية.

كانت تهوى القراءة و اختارت علم الاجتماع كاختصاص جامعي. سعت في فرنسا للحصول على تمويل لرسالة دكتوراه في العلوم الاجتماعية. و لكن في مقابلة عمل قيل لها أن غطاء الرأس قد يكون عاملا في غير صالحها. فوضحت أنها لن تتنازل عن الحجاب و هي التي تعوّدت على مجابهة المعوقات.

"تعودت أن تواجه بالرفض. أحيانا يكون رفضا مباشرا مصحوبا بإشارات صريحة إلى شكلها و لباسها، و أحيانا يكون مورابا خلف تعليلات سخيفة تدرك ما وراءها، و في أحيان أخرى يكون رفضا يحمل قناع قبول مشروط. هو رفض في نهاية الأمر، لأن الشروط التي تتعدى على حريتها الشخصية هي إهانة في حد ذاتها. تعودت على الرفض، لكنها قطعا لم تتقبله. مازالت تأمل فرجا قريبا. فرجا ملحا. فرجا عاجلا يهبط مثل قدر لا تدري كيف و متى حل. تتمسك بحبل أمل خفي تخشى أن يتبخر مع مرور الوقت. و لم يكن لديها حل آخر."

عمر

وصل عمر، و هو باحث مغربي، إلى فرنسا منذ سنوات و اصطدم بالفرق الشاسع بين المجتمع المحافظ حيث كان في مراكش و بين التفسخ الأخلاقي في المدن الفرنسية.  ظل رافضا التعود على مشاهد ابتذال الجسد البشري، مفضلا الانزواء في العمل و اجتناب مخالطة الفرنسيين.

عمر و ياسمين

لمح عمر ياسمين في المترو تقرا كتابا فاقترب ليعلم عنوانه: سيرة الإمام الخميني. فسألها: "شيعية؟" فقالت: "لا أبدا" فانطلق الحوار بينها و بدأ الإعجاب.

كانت تلتقي مع ذلك الغريب كل يوم في المترو و كان لقاء ثقافيا يتناقشان فيه عن كتاب أو عن بعض الأفكار. أعجبت بثقافته الواسعة. معه كانت تتمكن من تقليص إحساسها بالغربة و الوحدة.

انتقال ياسمين إلى باريس

اتصل كمال عبد القادر بدانيال، المدير، فتحصل على موعد لابنته ياسمين في باريس مع توصية جيدة. و تمكنت رنيم من تأجير غرفة في مسكنها في باريس لياسمين.

كانت ياسمين تلقى في باريس ألوانا من الشتائم و نظرات الإحتقار و التصرفات العنصرية و كان عليها أن تحتمل. 

الإنفجار

حدث انفجار في شركة كيميائيات في ليون حيث كان يعمل عمر. كان مصابا و رأى المحققون أنه مشتبه به بسبب أصله العربي. تم نقل عمر إلى باريس و كُلفت رنيم لتكون محاميته

ياسمين و هيثم

هيثم  مهندس شاب أملت أمه زهور بزواجه من ياسمين و لكن في حياته فتاة فرنسية ، لورا، قررت التقرب منه من خلال الدخول في الإسلام. سرعان ما تخلى عن لورا و صار يفكر في ياسمين.

رنيم تدافع عن عمر

تحكي رنيم لياسمين نتائج التحقيق التي أفضت لاتهام موكلها بتعمد الانفجار. كان من المفترض أن تعمل على دفعه على الاعتراف. في المحكمة تدخلت رنيم في صالح موكلها و لم تستمع لتعليمات رئيسها التي تقضي بإقصاء البراءة و حمل المتهم على الإعتراف.

رأي رنيم في علاقة ياسمين و عمر

قصت ياسمين على رنيم مغامرتها مع راكب المترو المجهول فاندهشت لوقوع علاقة أفلاطونية في القرن الواحد و العشرين، لم يتقرب منها و لم يعبر عن إعجابه لا بالكلمات و لا بالجسد. ففي محيطها يغازل الرجل المرأة، يتصل بها على الهاتف، يدعوها للرقص و يخاطبها بعذب الكلام. لذلك رأت أن ذلك الرجل أضاع الفرصة و خسرها.

تهمة الإرهاب

في إطار بحثها زارت ياسمين الزميلة التي أقدمت على محاولة انتحار فاشلة فانتقدت حجابها و نعتتها بالإرهابية. صارت هذه الكلمة تطرق آذانها في أوقات مختلفة و تعالت الأصوات الداعية للفصل بين الهوية الفرنسية و الإسلام. كما عرفت فرنسا أعمال شغب و تهديدات إرهابية عديدة تثير القلق في الشارع و سببت دعوات لإيقاف الهجرة المغاربية و الإفريقية التي ارتبطت بالخطر الإرهابي. انتشرت الإشاعات في قضية انفجار ليون و أصبحت إدانة الدكتور عمر تحصيل حاصل.

تتطور الأحداث مع رنيم

أدلى البروفسور كريستوف بشهادة تفيد أن عمر ارتكب سرقة ملفات و خطط ضد الشركة. لكن رنيم كانت تشعر انه بريء إذ كان يعاملها بأخلاق و أسلوب راق، تحدثت مع ياسمين في ذلك و عزمت على البحث للتثبت من صحة كلام الشاهد رغم الضغوطات التي واجهتها. أخذت كتبا لعمر اختارتها له ياسمين. زارها ميشال في مكتبها طامعا في صفحها و لكنها كانت قد انغمست في مشاغلها و نسيته. لم تعد رنيم التي تنساق وراء المغريات فرفضت عرضه للزواج رغم وعده بالإسلام.

قال عمر أن الكتب التي جلبتها له تعجبه و تذكره بفتاة كان يلاقيها في المترو. تمكنت رنيم من مغالبة مشاعرها كما قررت ألا تبوح بما تعرف لكلا الطرفين ياسمين و عمر. اختارت أن تكتفي بواجبها كمحامية.

الحكم

صدر الحكم على المتهم بالسجن عشرين عاما. تناثرت عبرات ياسمين حين علمت بالخبر على شاشة التلفاز.لم تكن تبكي عمر فحسب بل بكت نفسها خائفة من المستقبل. كانت رنيم تسعى للإستئناف و إثبات براءة عمر.

النهاية

تلقت رنيم اتصالا من كارولين، موظفة في شركة الكيميائيات، قالت فيه أن عمر بريء و قد تم التخطيط بإحكام للتخلص منه و الإستيلاء على أبحاثه. لقد استعملها كريستوف كجاجوسة.

بعث هيثم رسائل هاتفية لياسمين ليستفسر عن أسباب رفضها للزواج به و تم الأمر على جعلها تعيد التفكير في اقتراحه. كتبت رنيم مذكرة تحتوي على اعترافات كارولين و تركتها على مكتب جورج رئيسها. ثم رحلت رنيم إلى مصر تلبية لرغبة أبيها.

  

 

 

 

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2020

العبرات لمصطفى لطفي المنفلوطي: أقصوصات الحزن و الشقاء

العبرات للأديب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي هو مجموعة أقصوصات في 183 صفحة، بعضها  مترجمة. صدر الكتاب سنة 1916. تشمل المواضيع المطروحة العديد من معاني الأسى كالفراق، الذكرى، الموت، خيبة الأمل، الحسرة...عناوين الأقصوصات: اليتيم، الشهداء، الحجاب، الذكرى، الهاوية، الجزاء، العقاب، الضحية و مذكرات مرغريت. إليكم هذه اللمحة.

اليتيم

من خلال نافذته رأى الراوي شابا يسكن في البناية المجاورة. كان يمضي لياليه في أسى و همّ دائمين. طرق بابه ذات ليلة، أحضر طبيبا ليعالج سقمه ، ثم طلب منه أن يفضي له بهمّه، فحدثه بقصته.

عندما كان في السادسة من عمره توفي والده فكفله عمه و عاش معه و مع ابنته التي تعلق بها و صار لا يرى لذة العيش إلا بجوارها. لم يقل لها أنه يحبها إذ كان يدرك أن أبويها لا يوافقان على ارتباطها بفتى فقير بائس مثله. قال:

 "كان حبي لها حب الراهب المتبتل صورة العذراء الماثلة بين يديه في صومعته يعبدها و لا يتطلع إليها".

طلبت منه أمها أن يقيم في مكان لآخر لأنها قررت أن تزوج ابنتها، و يومها أطلق السبيل للعبرات. على إثر فراقه المنزل رحل رحلة طويلة و صعبة، و كان يستعين بقطرات من الدمع يسكبها في خلوته.

ذات يوم أتت خادم منزل عمه لتخبره بخبر وفاة محبوبته و أعطته رسالة كانت قد كتبتها له بخط يدها. لقد سرى داء في جسمها بعد رحيله عنها دون أن يودعها. شعر كأن سحابة سوداء هبطت فوق عينيه. استشعر موته القريب فطلب من الراوي أن يدفنه من ابنة عمه و معه كتابها.

الشهداء

بعد موت زوجها و والدها و هجرة أخيها، لم يبق لها غير ولدها. لقيت الكثير من الشقاء في طلب العيش. كانت تحن إلى أخيها الغائب منذ سنوات كحنين النيب إلى فصالها (الناقة إلى ولدها) فتبكي في خلوتها و تذرف العبرات. سافر ابنها إلى واشنطن للمشاركة في معرض للرسم و وعدها بالبحث عن خاله وهناك ربح الجائزة و لكن سرعان ما أدرك أنه عبث من القدر. إذ دله على مكان خاله بعض الناس فقصد جزيرة موحشة و فيها سجنه بعض الزنج الحاقدين على البيض.

"هنالك علم أن تلك البارقة التي لاحت له في سماء السعادة من الأمل يوم المعرض إنما هي خدعة من خدع الدهر و أكذوبة من أكاذيبه و أن ما كان يقدره لنفسه من سعادة و هناء في مستقبل أيامه قد ذهب بذهاب أمس الدابر، و أصبح صحيفة بالية في كتاب الدهر الغابر"

مضت سنوات و الأم المسكينة تبدو عجوزا حدباء تقف عند أبواب المعابد و على شاطئ البحر تسأل الناس باحثة عن ولدها. 

 "فلم تزل تبكي ولدها بكاء يعقوب ولده، حتى ذهب بصرها ذهاب بصره، و لكنها لم تستطع عن يوسفها صبرا." 

أمّا هو فكان يذرف الدموع و هو يذكر أمه و شقاءها من بعده، ثم أقبلت عليه فتاة حسناء تعاطفت معه و أنقذته من براثن اليأس. و امتزجت العبرات. كانت البنت قد وعدت أمها أن تهب نفسها للعذراء. فعندما اعترض الحب طريقها حارت بين دينها و قلبها فانتحرت. قال معقبا على ذلك أن الله أمرنا بالحب. قال:  

"أتظنون أيها القوم أننا ما خلقنا في هذه الدنيا إلا لننتقل فيها من ظلمة الرحم إلى ظلمة الدير، و من ظلمة الدير إلى ظلمة القبر؟ بئست الحياة حياتنا إذن و بأس الخلق خلقنا، إننا لا نملك في هذه الدنيا سعادة نحيا بها غير سعادة الحب و لا نعرف لنا ملجأ نلجأ إليه من هموم العيش و أرزائه سواها"

الذكرى

بعد انهزامه أمام جيوش الملك فرديناند و الملكة إيزابيلا، وقف أبو عبد الله، آخر ملوك غرناطة، نظر إلى مُلكه و أنشأ يبكي قبل نزوله إلى السفينة التي ستحمله إلى إفريقيا. وقف شيخ يقول له أن يبكي مادام لم يحتفظ على الوطن احتفاظ الرجال. كان في خطابه لوم لبني الأحمر على اقتتالهم و إضاعتهم للإسلام حتى غلبهم الأعداء. سارت السفينة و سجل التاريخ خروج العرب من الأندلس بعد أن عمروها ثمانمائة سنة.

في إفريقية، كان الفتى العشريني يذكر بأسى الأناشيد الأندلسية التي فيها ذكرى لأجداده و سلطانهم الغابر. ذهب يوما إلى غرناطة متنكرا في ثوب طبيب فرأى أبراجها و مآذنها و وقف موقع الخاشع. هناك رأى فتاة إسبانية مسيحية دلته على خان يلجأ إليه فصار يذكرها. أزارته بعض الآثار، و صار العطف بينهما حبا.

تجول الأمير في قصر الحمراء المهيب مع فلورندا متأثرا، وصف لها شقاءه و أعلن لها عن حبه.  رآهما "الدون رودريك"، الذي كان يريد أن يتزوجها، يوم كانا على ضفة جدول، فعزم على الانتقام من الفتى العربي. فساقه إلى محكمة التفتيش.

   

   

الاثنين، 12 أكتوبر 2020

الكتب التي التهمت والدي للكاتب البرتغالي أفونسو كروش: مغامرة وسط الكتب

الكتب التي التهمت والدي رواية للكاتب البرتغالي أفونسو كروش. صدرت الطبعة العربية الأولى سنة 2018. يضم الكتاب 112 صفحة. فيفالدو بونفين موظف حكومي مولع بالمطالعة، اختفى يوما بين ثنايا كتبه. يروي القصة ابنه إلياس بونفين الذي انطلق في البحث عن والده عبر أمهات الأدب الكلاسيكي. بذلك عاش مغامرة فيها سفر و تواصل مع شخصيات روايات مشهورة. كتاب طريف بفكرة مميزة أدعوكم لاكتشافه.

الأب الشغوف بالمطالعة تلتهمه الكتب

تبدأ الجدة بسرد قصة والد الراوي، و اسمه فيفالدو بونفين. كان يعيش حياة مملة باشتغاله في مصلحة الضرائب. كان شغوفا بالكتب، يأخذها و يقرؤها خلسة في مقر العمل. اختفى الأب عندما كان الراوي في بطن أمه، و قبل ذلك سلم الجدة مفاتيح مكتبته القابعة في بيتها. و في عيد ميلاد الراوي الثاني عشر سلمته المفتاح كما أوصى الأب فيفالدو. فقرأ الإبن ، إلياس، الكتاب تلو الآخر.

"تعلمت كيف أتوه في تلك القراآت"
لقد كان الأب تائها وسط كتبه.
"لقد تاه وسط الحروف، و العناوين، و ضاع وسط الحكايات التي كانت تسكن رأسه".

مغامرة إلياس وسط "الكتب التي التهمت والدي"

 قرأ الراوي قصة للكاتب الأرجنتيني بورخيس، و كتاب جزيرة الدكتور مورو لويلز مع سرد ملخصه. ثم قصد الدكتور زيركوف، طبيب الأمراض العقلية، ليطلعه على حكاية السيد برينديك، الشخصية الرئيسية في كتاب ويلز، التي استشارت هذا الطبيب. ففسر له أن الحكاية شذوذ وهذيان. اكتشف قصة برينديك و عرف في النهاية أن أباه كان يقرأ له الكتب بصوت عال عندما فقد بصره...

يمرر عينيه على رفوف مكتبة أبيه فيقرأ الأسماء و منها: دوستويفسكي، تولستوي، كافكا، أوستين، فولتير، بسوا، وايلد، كالفينو...اختار أن يقرأ لستيفنسن كتاب جزيرة الكنز ثم كتاب قضية الدكتور جيكل والسيد هايد الغريبة. كان الكتاب يتيح له رفقة الكاتب فقال بطرافة:

"وجدتني مرة أخرى جالسا رفقة السيد ستيفنسن. و مع أنه كاتب كبير الحجم فقد اتسع لنا كرسي والدي بما يكفي"

انغمس في حوار مع الشخصية الرئيسية في كتاب ستيفنسن :

"كان لي حديث مطول مع السيد هايد. بدا لي شخصا جديرا بأن أكون صديقا له"
تحدثا عن خلق الإنسان وتمييز الخير و الشر. توقف عن ذلك عند سماعه لنداء جدته:
"فخرجت من ذلك الكتاب بصعوبة، لألتحق بمائدة العشاء".

استمتع بسماع قصة رواها له صديقه بومبو: حكاية السجان و لاوتسي.

طلب من هايد أن يحدثه عن والده، مع حضور برينديك. قال أنه أثار غضبه باتهامه بقتل شخصيات روائية فضربه. كان الوالد يبحث عن القاتل. حدثه هايد عن موقف حصل له مع راسكولنيكوف. استنتج الراوي أن عليه العثور على هذا الرجل، فوجده في كتاب الجريمة و العقاب لدوستويفسكي. قرأها و وجد ورقة فيها اسم مدينة فلاديفوستوك مع خارطة، فعزم إلياس على الوصول إليها حتى لو ترتب على ذلك التأخر عن موعد العشاء و إغضاب جدته.

سافر بالقطار للوصول إلى غايته فقابل امرأة حدثها عن راسكولنيكوف الذي سُجن لارتكابه جريمة قتل. قالت للإلياس أنه قد كفّر عن ذنبه في السجن وأنها لم تره منذ سنوات. صار إلياس محبطا، قال:

"كان من الضروري أن أعثر على قاتل كي أجد والدي"
تذكر جملة غريبة قالتها المرأة الروسية: الورق يحترق في درجة 451 فهرنهايت، فعثر على كتاب فهرنهايت 451 و بدأ يتصفحه و يتجول عبره. دخل كوخا كان بداخله راسكولنيكوف ! فأخبره أنه يبحث عن والده. تحدث الروسي عن فكره في القتل و في الشعور بالذنب، فروى له إلياس حكاية صينية كان قد رواها له صديقه. كان راسكولنيكوف يبحث عن شخصيات ويلز و ستيفنسن ليتمكن من التحول إلى حيوان ليتخلص من الشعور بالذنب فلم ينجح. ذات يوم دخل عليه والد إلياس فأخبره بدرجة حرارة احتراق الورق. كما تحدث راسكولنيكوف عن النظرة إلى الماضي و الذكريات.

تأثر إلياس براسكولنيكوف

 كان بومبو مصابا بداء السكري. طفق إلياس يهينه و يسخر منه  أمام بياتريس محبوبته. ثم دخل في غيبوبة إثر أكله لحلويات بالقشدة ثم مات. كان إلياس مثقلا بالإحساس بالذنب.

في سن 72، صار يفكر في النظر إلى حياته الماضية كما هو شأن راسكولنيكوف. قرأ كل كتب والده و أكثر بكثير، حتى أصبح والده. 

الجمعة، 2 أكتوبر 2020

دار الباشا لحسن نصر: قصة منزل قديم في المدينة العتيقة بتونس

 دار الباشا هي رواية للكاتب التونسي حسن نصر. تضم الرواية 153 صفحة. هي قصة طفل، مرتضى، أخذه أبوه من أمه المطلقة ليعيش معه في بيت جدته في دار الباشا في نهج الباشا في مدينة تونس العتيقة. كان على الطفل أن يعيش مع قسوة أبيه، بعيدا عن أمه، و مع بقية أهل الدار في أجواء من التوتر و الجهل. كان أيضا يتردد على الكتّاب و جامع الزيتونة إلى جانب عمله في سوق الشواشين ثم في إحدى محلات الخياطة. يتخلل النص مشاهد وصفية للمدينة العتيقة بتونس. 

حقق مرتضى أمنيته بأن يبتعد عن الدار و عاد إليها بعد أكثر من أربعين سنة. تجول فيها و انبثقت الذكريات. كان يرى أن الدار أثر مهم وجب ترميمه و حمايته من السقوط و لكن ابن عمه رفض ذلك و فضّل إهمال الماضي. فكان أن وجد مرتضى نفسه تحت أنقاض البيت المهدم. في النهاية استيقظ من نومه. هل كان حلما؟

 

نهج الباشا

تبدأ الرواية بوصف موقع نهج الباشا بالمدينة العتيقة بتونس العاصمة.

"يتسلل شارع الباشا عبر متاهات مدينة تونس العتيقة، يتوغل في أعماقها، يبسط ذراعه الطويلة، يصل بها باب البنات غربا إلى بطحاء رمضان باي شرقا، و منها إلى قصر القصبة، فجامع الزيتونة، يختصر المسافة الفاصلة بين "الربط" و قلب المدينة النابض بالأسواق و الحركة"
 

عودة مرتضى إلى دار الباشا

يعود مرتضى الشامخ إلى دار الباشا بعد غياب أربعين سنة أو أكثر. كان يبحث عن خطأ ما حصل في الماضي و شكل حياته بعد ذلك. لقد غاب عنها و عاش سنوات من الحيرة إذ لم يكن قادرا على الرجوع إليها بقلب خالص و لا أن يرتاح من التفكير فيها و في الماضي الملعون. كان طفلا صغيرا عليه أن يصبر على فراق أمه التي انقطعت أخبارها. طفق يتجول في دار الباشا فيسترجع ذكريات الطفولة

ذكريات الطفولة

اصطحبت الخالة منجية الطفل، بعد أخذه من أمه، إلى مقام الولي الصالح سيدي محرز. و في وصف المقام يقول: 

"قاعة كبيرة جدرانها مكسوة حتى السقف عليها أقمار خضراء في مربعات برتقالية اللون باهية تحت أرضية فاتحة تعلوها قبة بيضاوية الشكل  قائمة على أقواس بلورية متناظرة، ينضح منها الضوء و ينتشر في فضاء القاعة"

ثم واصلا الطريق إلى السوق ثم إلى حي دار الباشا و في وصف السوق قال : 

"الباعة ينادون على بضاعتهم، بائع المظلات، بائع المراوح، بائع العطور: ماء الزهر، و ماء الورد، و العطرشية، دلال و سقاء...فرقة نحاسية تتقدم باتجاه سيدي محرز من ورائها "المطهر" في ثيابه الزاهية يحف به جمع من الأطفال و هم ينشدون وراء الفرقة"

عاد إلى الماضي، تذكر يوم أتت جدته ثم أبوه،  ليأخذه من أمه المطلقة بالقوة. انهال عليه أبوه بالضرب عقابا له على رفضه و كانت تلك تجربة قاسية علقت بذهنه. أعادوه لأمه و بقي معها طوال الحرب العالمية الثانية. ثم كان أن أتت الخالة منجية لأخذه،  وصلت به إلى الدار و استقبلته الجدة هذه المرة برفق و احتضنته.

و في وصف دار الباشا قال: 

"تطل عليه في كل خطوة يخطوها الجدران المكسوة، ذات التلوينات و الزخارف، و الطلاءات الجدارية. بعضها تساقط، بعضها بقي متماسكا، فيستمتع بجمالها القديم و جلالها الغابر"

كان نهج الباشا مليئا بكتاتيب تحفيظ القرآن. تذكر مرتضى تردده على الكتّاب، تذكر المؤدب و الإملاء و حلقات الأحزاب في جامع الزيتونة (حلقات الذكر). كان أيضا يتردد على دار عم العربي السعيد البهيج على عكس دارهم التي كانت تسودها أجواء من التوتر. 

تذكر العم منصورالذي كان مختلفا عن أهل تلك الدار. كان يأخذه في ليالي رمضان الملونة إلى بطحاء الحلفاوين ليدخل مدينة الألعاب. كان العم منصور لا يختلط بأهل الدار إلا في الأعياد و على مائدة الإفطار في رمضان. كانوا يعاملونه بلامبالاة قاسية، كان يتألم لذلك. ابنته الوحيدة زهرة فاتها ركب الزواج. تذكر مرتضى يوم وقفت تدافع عنه عندما عاقبه أبوه لأمر تافه. أخذتها حالة صرع فواظب مرتضى على مرافقتها إلى زاوية سيدي بن عيسى حيث تُقرأ الأحزاب و الأوراد. كان مرتضى يتوق للخلاص من هذه الترهات.

أصبحت إحدى أمنياته أن يهرب بعيدا يرعى غنما أو يتسلق الجبال، المهم أن يبتعد عن دار الباشا حيث الناس المنغمسون في شؤونهم و لا يعيرونه اهتماما.

كان يمضي وقته بين الكتّاب و حلقات الذكر و العمل.عمل أولا في سوق الشواشين، ثم عمل في إحدى محلات الخياطة في نهج سيدي بن عروس. سي الطيّب صاحب المحل كان متعدد المواهب، له نشاطات اجتماعية و اقتصادية. ففي دكانه كانت شخصيات مختلفة و مرموقة كالشعراء و السياسيين تتردد على الدكان. كان مرتضى يطرد الذباب عن الناصر و يصطحب فريد لقضاء بعض شؤون الدكان أو للذهاب إلى "حديقة البلفيدير" أو إلى السينما.

 

مرتضى يسعى لحماية دار الباشا

بعد أكثر من أربعين سنة من الغياب تخطى مرتضى داخل دار الباشا فوجد أباه ومعه زوجته الجديدة . تحادث الرجلان دون ذكر الماضي، و كأن شيئا لم يكن. وجد البيت متآكلا متداعيا للسقوط، في نفس الوقت كانت العمارات تتكاثر في الأراضي المحيطة بالمدينة. و في المدينة تباعد الناس و فترت العلاقات. التمس مرتضى من الورثة المساهمة في ترميم الدار فسخروا من اهتمامه بالدار المهملة. قال ابن عمه أنه لا فائدة من ذلك فالمنزل لا يتلاءم مع مقتضيات الحياة الجديدة.  بينما كان مرتضى يرى أنه بناء أثري عتيق وجبت صيانته.

يقظة أم منام

انهارت دار الباشا و لبث مرتضى تحت الأنقاض يفكر في النجاة و ويتأمل معنى الزمن و قيمة الماضي و المستقبل. استفاق مرتضى من نومه. خرج و رأى العائلة مجتمعة حول الجد في جو مرح. قال: "هل أنا في يقظة أم منام؟"

الحفيدة الأمريكية للكاتبة إنعام كجه جي: عراقية أم أمريكية؟

  ا لحفيدة الأمريكية للإعلامية و الكاتبة العراقية المقيمة في فرنسا إنعام كجه جي ، هي رواية صدرت سنة 2008 تضم 197 صفحة، رُشّحت لنيل جائزة ال...