العائش في الحقيقة للأديب المصري نجيب محفوظ هي رواية صدرت سنة 1985 و تضم 166 صفحة. هي رواية تاريخية تدور أحداثها في عصر الفرعون إخناتون، المارق، الذي سعى لفرض دين الحقيقة.
سأل الراوي، مرى مون، أباه الشيخ عن المدينة الغريبة التي لا تنبض بها حياة و عن صاحبتها نفرتيتي فحرر له رسالة توصية للكبار الذين عاصروا الأحداث. قال له:
"كن كالتاريخ يفتح أذنيه لكل قائل و لا ينحاز لأحد ثم يسلم الحقيقة ناصعة هبة للمتأملين."
زار مرى مون
الشخصيات المعاصرة للقصة و سرد كل منهم الأحداث من وجهة نظره. تتجلى عبقرية نجيب
محفوظ في سرد هذه الرواية التاريخية عدة مرات على لسان الشخصيات. فنلاحظ الاختلاف
في الأحكام و الأحداث باختلاف الراوي.
القصة:
جاء ولي العهد ابن أمنحتب الثالث بدين جديد يدعو للإيمان بإله واحد متحديا ديانات و كهنة مصر القديمة. لما اعتلى العرش سمى نفسه إخناتون و مضى قدما في الدعوة لرسالته و ساندته زوجته نفرتيتي. انتقل إلى عاصمة جديدة، أخت آتون، و أمر بغلق المعابد. ظهرت انقسامات بين الموالين له و المتمسكين بالتقاليد القديمة. نعته البعض بالجنون و الآخرون بالعائش في الحقيقة. صارت البلاد تشارف حربا و رغم ذلك بقي الملك مصرا على هدفه رافضا الدعوة لحرية الدين. آل الأمر إلى أن تم إخلاء أخت آتون و الولاء لملك جديد و هو توت عنخ آمون. مات إخناتون و رجح أتباعه أنه قد قُتل.
يطرح نجيب
محفوظ مسألة خطورة الإصرار على فرض الدين و لو كان دين الحقيقة. أدى ذلك إلى
اضطرابات و انقسامات كان من شأنها أن تؤدي إلى الحرب. فكان فشل السياسة التي لا تضمن حرية الأديان.
كاهن آمون
اتجه الراوي مع
والده إلى كاهن معبد آمون سيد الآلهة و حامي مصر. حدثهم عن الملكة العظمى تيي أم
المارق و زوجة أمنحتب الثالث. كان للمارق طبيعة أنثوية. سمّى نفسه إخناتون ملغيا
اسم أبيه و في عهده خربت مصر. علم الكاهن أنه قد تجلى لإخناتون، لما كان وليا
للعهد، إله جديد و هو الوحيد الحقيقي في الوجود الذي تجدر عبادته. اعتُبر الكاهن
ذلك جنونا و كفرا و فقدا للأحقية بتولي العرش.
تزوج ولي العهد من نفرتيتي ابنة الحكيم آي.
التقى بها الكاهن. أنجبت الملكة تيي توأمين: سمنخ رع و توت عنخ آمون و مات الملك.
فقصد الكاهن الملكة تيي محاولا منع ولي العهد الكافر من تولي العرش و لكن رُفض
اقتراحه. انقسم الناس في طيبة بين الولاء لآمون و الولاء للمجنون فهاجر إخناتون
إلى مدينة جديدة، أخت آتون، و اتخذ إجراءات ضد المعابد و الكهنة. كما عانى الشعب
من التمزق في أيام سود و اضطربت البلاد و كثر الفقر. آل الأمر إلى أن أعلن أتباع
آمون الولاء لتوت عنخ آمون. ثم مات المارق بعد مرض.
آي
آي هو الحكيم
مستشار المارق. استقبل الراوي في طيبة. حدثه أن المارق كان فذا منذ صغره، بإمكانه
انتقاد ممارسات الكهنة في طيبة ممتلكا فكرا فلسفيا. حدث معلمه آي بالصوت الذي قال
له أنه الإله الواحد الحق. و هو يعبده في كل زمان و مكان على عكس آمون. اتهمه أبوه
الملك بالجنون و الكفر. فكّر آي أن مصر ستشهد اضطرابا بسبب ذلك.
كانت نفرتيتي مساندة لزوجها إخناتون في دينه، دين الحق و الحب و السلام. عندما تولى إخناتون الملك عيّن آي مستشارا للعرش. توترت علاقته بكهنة آمون فأمر ببناء عاصمة جديدة له. آمن الرجال بالدين الجديد و منهم آي و لكن قال:
"و كنت أرى أنه لا يجوز التعرض إلى حرية العقيدة"
تم الانتقال إلى
العاصمة الجديدة أخت آتون و كانت الأيام حافلة بالهناء. خاض المارق حربا شرسة إذ
أمر بإغلاق المعابد و جاب مصر للدعوة لدينه. ثم نفضت جميع الأقاليم ولاءها للملك و
لكن إخناتون كان يقول: "لن يخذلني إلاهي"
اجتمع آي مع كاهن
آمون و بعض رجال الملك يريدون إنقاذ البلد. فتم لقاء مع الملك فيه بادر حورمحب
بالمطالبة بحل لتجنب حرب مهلكة. اقترح إعلان حرية الأديان فرفض الملك لأن ذلك فيه
ارتدادا إلى الكفر.
غادرت نفرتيتي
القصر الملكي و تم تعيين سمنخ رع، أخ الملك، شريكا على العرش. ثم بايع كهنة طيبة
توت عنخ آمون الأخ الثاني معلنين بذلك عزل سمنخ رع و إخناتون. طالب حورمحب الملك
بالرجوع إلى طيبة لتعود الوحدة للبلاد فرفض. عادوا و اقتدى بهم الناس حتى خلت
المدينة إلا من إخناتون و نفرتيتي. ثم مات الملك وحيدا.
حورمحب
هو قائد الحرس في
عهد إخناتون. استقبل الراوي و حدثه عن المارق.
كان يحترم المارق
منذ كان وليا للعهد و صار صديقه. كان يعجب بقدرته على الخطابة في الناس لإقناعهم
بترك دين أجدادهم. استرجع حوارا دار بينهما لما كان وليا للعهد، تحدثا من الإيمان
و الدين و سر الوجود. ثم حدث الراوي عن سعي الأمير لنشر الدين الجديد منذ كان
أميرا و بعد توليه العرش. و قد أعلن حورمحب ولاءه لدين إخناتون من باب الواجب. و
اكتشف في الملك قوة مكّنته من تحطيم التقاليد و تحدي الكهنة رغم قوتهم.
كانت نفرتيتي
مدبرة لأمور الملك و كان أمر إيمانها بدين إخناتون لغزا. بانتقال الملك للعاصمة
الجديدة أعلن الحرب على جميع الآلهة و اهتم بالتبشير. انقلبت الأمور ونصح حورمحب
الملك بتغيير سياسته فرفض مصرا. فتمنى حورمحب أن يقتل الملك بسيفه لينقذ البلاد من
جنونه.
زار كاهن آمون حورمحب و دعاه لإنقاذ البلاد من
جنون الملك. طالب حورمحب الملك بإعلان حرية الأديان فرفض، فاقترح عليه التخلي عن
العرش و التفرغ لدينه. هجرته زوجته و أشرك
أخاه في عرشه.
ثم قرروا التخلي
عنه و الانضمام إلى الجانب الآخر بعد الاتفاق على عدم إيذائه. مات الملك نتاج عجزه
عن تحمل الهزيمة.
بك
بك هو ابن صانع
التماثيل. قرأ رسالة الأب ثم حدث الراوي: كان ولي العهد صديقا في مثل سني قال عنه
كاهن آمون أنه ذو نضج مبكر و قوة شريرة. و لكن بك كان متأكدا من بعد الأمير عن
الشر و كان شاكرا له لجعله يدرك وجود الخالق الواحد. علم بك بإيمان نفرتيتي بنفس
الدين و هي عند أبيها آي. و كان الأمير يحدثه بعنائه بسبب رسالته و كان بك يدرك أن
سيده على دين الحق إذ كان الأمير يقول له:
"لقد خلق الإله الأشياء فلا تعبث بها، انقلها بأمانة، أبرزها بتقوى، لا تسلط عليها الخوف أو الشهوة أو الأماني الكاذبة، اعكس كل ما بي من نقص في الوجه و الجسد ليتجلى جمالك في الحقيقة"
تادوخيبا
هي زوجة أمنحتب
الثالث و ورثها إخناتون. استقبلت الراوي و حدثته. كانت توافيها أخبار هوس ولي
العهد الديني و ما يثيره ذلك من متاعب. اعتلى العرش و آل إليه حريم أبيه المتوفى
فغارت نفرتيتي زوجته. انتقلت إلى المدينة الجديدة و كانت لا تؤمن بوجود إله واحد و
لا بالحب الذي يدعو له الملك الأبله. إنه مجنون مزق وطنه و تبعته نفرتيتي لتستأثر
بالسلطة. كانت نفرتيتي في عداء مع الملكة الأم فلما قدمت الأم إلى أخت آتون
اتهمتها نفرتيتي بالتواطؤ مع أعداء العرش فغضب إخناتون من ذلك فهجرته زوجته.
مرى رع
كان الكاهن الأكبر
للإله الواحد في أخت آتون. لقد حُمل
بالقوة على ترك سيده. منذ صباه كان معجبا بنضج الأمير. آمن بإلهه و صار الكاهن
الأول. كان يرى مولاه قويا شجاعا لا يضاهيه أحد في ذلك. رموه بالجنون و كان هو العائش
في الحقيقة.
اعتلى الملك العرش
في سبيل الحقيقة و السلام. ففتن الناس به و لكن كثرت الأحقاد فكان الملك متمسكا
برسالته. رفض الملك و مرى رع التراجع و لكن الحاشية آمنت أنها ستقتل إن بقيت على
ولائها للملك فتخلى عنه الجميع و تم ضم مرى رع للمرتدين. عندما سمع بوفاته رجح مرى
رع أنه قُتل كما رجح أن نفرتيتي قد أبعدت عنه بالقوة.
نفرتيتي
تحدثت عن نشأتها
منتفعة بحكمة أبيها آي، متحابة مع أختها. علمت بأمر الإله الواحد عن طريق أبيها و
الأزمة التي ولدها ذلك. فرأت نفرتيتي أن الأمير معه حق، انجذبت له و آمنت بإلهه. في حفلة كانت تراقبه
لأنه السبب في سلكها لنور الحقيقة. لاحظ ذلك الكثيرون و أولوه حسب أهوائهم، و عبرت
موت نجمت عن غيرتها من أختها. ثم دعت الملكة الأم تيي نفرتيتي فحاورتها و أعلنت
اختيارها لها كزوجة لابنها ولي العهد. كانت تسانده حين كان مصرا على رسالته رغم
المصاعب.
أنجبت نفرتيتي بنتا
و أنجبت تيي سمنخ رع و توت عنخ آمون. سعت تيي لتجعل نفرتيتي تؤثر في إخناتون و
لكنها كانت مساندته.
تولى إخناتون
العرش و كان هناك نفر يرون أنه غير مؤهل لذلك و منهم حورمحب و آي. سعى كاهن آمون
أن يكسب ولاء نفرتيتي فرفضت.
بنيت المدينة الجديدة
إثر أمر من الإله الواحد و انتقلوا إليها. وصفتها نفرتيتي بمدينة النور. ثم أصدر
الملك أمره بغلق المعابد و رافقته زوجته في رحلاته في مصر للدعوة لعبادة الإله
الواحد و كانا ينتقلان من نصر إلى نصر.
قصد آي و ناخت و
حورمحب الملك منذرين باندلاع حرب أهلية و لكنه أصر على عدم ترك رسالته. كما حذر
حورمحب نفرتيتي من إمكانية مقتل الملك إذا أصر على موقفه. فأقدمت على هجره بهدف
زعزعة ثقته بنفسه. ثم بقيت تراقب مدينة أخت آتون و هي تخلو من سكانها فقد أعلمتها
أختها أنهم وجدوا الحل في إخلاء المدينة و الولاء لفرعون الجديد. و لما علمت بموت
إخناتون رجحت أنهم اغتالوه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق