الحفيدة الأمريكية للإعلامية و الكاتبة
العراقية المقيمة في فرنسا إنعام كجه جي، هي رواية صدرت سنة 2008 تضم 197 صفحة، رُشّحت
لنيل جائزة البوكر العربية لسنة 2009.
زينة شابة عراقية الأصل. كانت قاطنة في أمريكا حين حصلت
أحداث الحادي عشر من سبتمبر ثم اندلعت الحرب. لكن أكانت تتابعها كأمريكية أو
كعراقية؟ أسفت على ضحايا نيويورك فهل تأسف على ضحايا العراق؟ سافرت إلى العراق
مجندة في الجيش الأمريكي تشغل خطة مترجمة. كانت تكتب قصة الحفيدة الأمريكية
العائدة إلى بيت العائلة في بغداد.
لقاء الحفيدة الأمريكية بالعراقيين و بالجدة رحمة
"يا إلهي كم نتقاطع، أنا و ذلك التاريخ، و كم نختلف. لكنه تاريخي من قبل أن أولد، و أنا سليلته و صاحبة الحق فيه، مهما بدوت غريبة عنه و ناكرة له"
في السفر شهدت جملة من المحطات : الطائرة
العسكرية، مطار بغداد (مطار صدام سابقا)، قصر صدام ("إنها القيامة قد مرت من
هنا")، سامراء و المئذنة الملوية...
لم تفكر كيف سيستقبل العراقيون الجيش
الأمريكي. لقد صوره الإعلام الأمريكي على أنه شعب يتوق لتغيير النظام، لكنها رأت
في عيون العراقيات و العراقيين عند رؤيتهن قدوم الجيش حزنا و صدّا.
بعد خمسة عشر عاما من الغياب بقيت زينة في
قصر صدام في تكريت ففيها مهمتها.
اطلعت زينة على أموال و وثائق ضُبطت في قصر
زوجة صدام. كان ذلك في أيار 2003. و في مكالمة هاتفية مع جدتها رحمة كذبت عليها و
قالت أنها تعمل مندوبة من الأمم المتحدة لمراقبة مهمات الجيش الأمريكي في أوساط العراقيين.
لقائهما كان في القاعدة في تكريت، و كان مليئا بالمحبة و القهر. و كانت الأمور فوضوية
في الأشهر الأولى إذ لا يدري الأهالي أيُرحّبون بالدبابات القادمة أم يبصقون
عليها.
غير أن الجدة فهمت أن حفيدتها تعمل لصالح
الأمريكان و لم تقبل بذلك. حيدر، أخو زينة من الرضاعة، لم ير في ذلك خيانة.
اللقاء الثاني كان في بغداد في بيت الجدة. في
الطريق رأت زينة، الحفيدة الأمريكية، أبنية مهدمة ومناطق تعرضت للقصف و
أرتالا من الجيش الأمريكي. حدثتها الجدة عن جدها الذي كان ضابطا في الجيش قبل ثورة
1958.
معنا أم معهم؟
رأت زينة أن في مهمتها فرصة لرد الجميل للبلد
الذي احتضنها منذ أول الصبا هي و أسرتها. في تكريت لم تكن مترجمة فقط بل كانت تفسر
أيضا للجنود عادات المجتمع العراقي. كانت
تقوم بترجمة أقوال أهال يأتون للتشكي من أعمال تخريب يقوم بها الجيش، و لا تسمح
لنفسها بالتعاطف. ترجمت أيضا أقوال من يدلون بمعلومات مفيدة. شاركت أيضا في دوريات
و مداهمات ليلية.
انتقلت الحفيدة الأمريكية إلى المنطقة
الخضراء في بغداد.
رفض نقيبها السماح لها أن تزور جدتها خشية أن
تصبح هدفا للإرهابيين إذا عرفوا أن لها حفيدة تعمل مع الأمريكان. فتم الإتفاق على
مداهمة بيوت في نفس الشارع أحدهم بيتها فسيبدو الأمر كجولة تفتيش. و لكن الجدة
شهقت و لطمت خديها عند رؤية الحفيدة الأمريكية بالبزة العسكرية، و صفت قدومها ب"الدخلة
السوداء" و لكن زينة أصرت على عناق جدتها و غنت لها الأهازيج القديمة و قالت
أن عمل الأمريكان جيد في العراق.
أسفت لرؤية جنود يسخرون من احتفالات عاشوراء
فقال لها أحدهم "أنت معنا أم معهم؟"
زينة ومهيمن
وصلت الجدة إلى عمّان حيث سافرت زينة في
إجازة من الجيش لترافق جدتها في إجراء عملية جراحية. و قد أخفت الاثنتان أمر
المهمة العسكرية عن مهيمن، أخ زينة من الرضاعة، و عن الجيران.
أحبت الحفيدة الأمريكية مهيمن، رفضت
مسألة الرضاعة، و رفض هو الأمر إذ اعتبرها أخته.
هو و حيدر مختلفان عنها: هما عراقيان تنبض دمائهما باسم الوطن.
"أرواحهم شاخصة إليها. مدينة السلام، المدورة، الزوراء، موطن ألف ليلة، بغداااااد قلعة الأسود..."
يسألها مهيمن عن الهجرة. هو لا يعرف سوى الوطن الأم، يرى أن الهجرة مثل
الأسر و ترى أنها استقرار. يحبان الشعر و يتلوان القصائد العمودية. تحدثه عن
حياتها في أمريكا و الأعمال العديدة التي امتهنتها (مترجمة، مذيعة بالكلداني و
بالآشوري...) و تكتم عملها الحالي.
الأسف على مدينة الأجداد
أسفت زينة على مدينة أجدادها،
الموصل، ففيها ملثمون يسرحون في الشوارع بالعشرات. و أسفر هجوم انتحاري قبيل عيد
الميلاد عن جرحى وقتلى من الجنود الأمريكان و العراقيين. شاهدت صور أحداث سجن أبو
غريب في التلفزيون، ذهلت، عجزت عن الجدل.
نظرة العراقيين للحفيدة الأمريكية
"الحقيقة الكاملة هي أن العراقيين يعتبرون رفاقي محتلين، جنودا يؤدون خدمتهم العسكرية و ينفذون الأوامر. لا يد لهم في قرار الحرب. مثل الجنود العراقيين في حرب إيران و غزو الكويت. أما أنا فيرونني عميلة".
وُصفت الحفيدة الأمريكية ب"كلب أبو بيتين": فهي غير قادرة
على استرجاع حياتها السابقة، و لا على التعود على حياتها في العراق.
العودة
انتهى العقد و عادت الحفيدة الأمريكية من بغداد يملؤها الشجن.
"شلت يميني إذا نسيتك يا بغداد"