زقاق المدقّ للأديب المصري الكبير نجيب محفوظ
هي رواية صدرت سنة 1947. و يضم الكتاب 287 صفحة. يضم زقاق المدق جملة من الشخصيات فيها الحكيم و الشاذ و المحتال. كانت حميدة فتاة جميلة و مغرورة يتيمة الأبوين، تعيش مع مربيتها، تتوق إلى المال و الجاه. بعد خطبتها من عباس الحلاق هربت مع رجل غريب لتتبع سلك الدعارة. تتبعوا ماذا كان مآلها.
شخصيات زقاق المدق
رضوان الحسيني هو صاحب البيت الأيمن من
الزقاق و يسكنه المعلم كرشة صاحب المقهى و عم كامل بائع البسبوسة و عباس الحلو
الحلاق. و قد مات أبناءه و ذاق مرارة الخيبة. و لكنه ازداد صبرا و حبا و ورعا و
أفرغ حبه على الناس.
من أقواله:
"الحياة نعمة الله سبحانه و تعالى، فكيف لمؤمن أن يملها أو يضيق بها".
الشيخ درويش كان مدرسا ثم كاتبا بالأوقاف حيث
كان كثير الشجار معتدا بنفسه. توقف عمله و لكن انتقل إلى حال من السلام و اعتبره
الناس وليا من أولياء الله.
سنية عفيفي أرملة ميسورة الحال في الخمسين من
عمرها التجأت إلى أم حميدة الخطابة للبحث عن زوج. أما حميدة فهي فتاة في العشرين
من عمرها جميلة و مغرورة و قد تبنتها أم حميدة بعد وفاة أمها. حلمت بالمال و
اعتبرته المفتاح السحري للدنيا.
المعلم كرشة صاحب المقهى كان تاجر مخدرات و فريسة الشذوذ.
أما زيطة فكان بارعا في صناعة العاهات للشحاذين. و سليم علوان هو رجل صاحب
خبرة في التجارة يمسك بزمام الوكالة في زقاق المدق و لكن كان أبناؤه قاض و
محام و طبيب و بناته متزوجات.
غرور حميدة
عبر عباس الحلو لحميدة برغبته في الزواج منها كما كان سليم علوان يفكر فيها
كزوجة ثانية. كانت مدركة أن عباس يناسبها و لكنها تطمح للجاه و المال.
خطب عباس الحلو حميدة ثم سافر للخدمة في الجيش البريطاني. على إثر ذلك
صار حسين ابن المعلم كرشة يمقت زقاق المدق فرحل منه. طلب سليم علوان يد حميدة من
مربيتها فاهتزت البنت ووافقت تلبية لطموحها في الجاه و المال.
ولكنه مرض على إثر ذلك فضلت حانقة على الحلو.
طمعت حميدة في رجل من الوجهاء كان يتردد على زقاق المدق:
" و التقت عيناهما طويلا_دون أن تغضى أو ترتد عن موقفها_فازداد ظل ابتسامته امتدادا، و وشى وجهها بابتسامة و هي لا تدري. ماذا يبغي يا ترى؟"
"الانفعال و الإعجاب و الاستفزاز هو لذتها التي تجذب إليها بفطرتها، كما تجذب إبرة البوصلة إلى القطب، و إنه رجل من غير الحثالة التي يستعبدها الفقر و الحاجة كما يشهد بذلك مظهره و أوراقه المالية"
أخذها في زيارة لمنزله المأهول فعرض عليها المال و الجاه فرفضت متكبرة و لكنها رغبتها
في ترك زقاق المدق إلى مصير أفضل جعلتها تلجأ إليه فهربت فجأة و لم تعد
لمربيتها .
عاشت حميدة عمق الهوة التي تفصل بينها و بين الماضي :
"و أزاحت عن صدرها الغطاء الوثير، فبدا فستانها مستخذيا خجلا فيما يغمره من مخمل و حرير. ما أعمق الهوة التي تفصل بينها و بين الماضي ! و كانت النوافذ مغلقة تنضح بوهج الشمس، فينير جو الحجرة بضوء شاحب خفيف، فاستدلت على الضحى بسماته، و لكنها لم تدهش لاستيقاظها المتأخر، فقد أرقها السهاد حتى قبيل الفجر".
في هذا البيت في شريف باشا صار إبراهيم فرج الذي انساقت وراءه يناديها
تيتي منتزعا اسمها القديم الذي كانت تنادى به في زقاق المدق. جال بها في
مدرسته للرقص الشرقي و الغربي و الانجليزية و دعاها بمكر للتعلم.
عودة عباس الحلو
عند عودة عباس الحلو علم بخبر اختفاء حميدة منذ شهرين فلم يداخله شك فيها
من فرط حبه لها.
"كان يعيش على الفطرة لا يدري شيئا عما وراءها. مخلصا لقوانين الحياة الأزلية، فوجد في الحب جوهر حياته و خلودها. فلما أن فقده فقد الأسباب التي تصله بالحياة، و تردى مزعزعا كذرة هائمة في الفضاء".
أخبرته صديقتها أنها رأتها
صحبة أفندي. فحل محل الحيرة غضب و مقت و خيبة.
مخاوف سليم علوان
و عن مخاوف سليم علوان من الموت كتب نجيب محفوظ:
"إن الإنسان ليجن إذا انتزع ظفره، فكيف يكون إذا انتزعت روحه و حياته؟. و لا يدري إلا المحتضر نفسه حقيقة هذا الألم، فما نستطيع أن نلمس غير آثار الاحتضار الظاهرة، أما صداها في الروح و رجعها في الجسد، فسر الميت الذي ينطوي عليه صدره، و يقبر معه في جدثه، و آخر ذكرياته عن آلام الدنيا في أفظع حالاتها و أبشعها، و لو أنه أتيح لميت أن ينطق عن عذاب احتضاره لما نعم إنسان بساعة صفو واحدة في الحياة، و لمات الناس ذعرا قبل أن تدركهم النهاية".
بعد مرضه سخط على زوجته و أعلن عن عزمه على الزواج ثانية فغضب على أبناءه
الذين رفضوا الفكرة.
الشقاء
فتحت حميدة صدرها للحياة الجديدة، تهافت عليها الجنود و تساقطت عليها
النقود و انتظمت في سلك الدعارة فبدا لها أنها فائزة. و تمخض العاشق عن تاجر
الأعراض فلم يعد يحدثها عن الحب بل عن العمل و الربح.
التقى عباس الحلو بحميدة صدفة. فعلا صوته مزمجرا فيها متوجعا لائما فنهرته
ثم قالت: "لست إلا شقية يا عباس". فتحدثا عن الانتقام من إبراهيم فرج.
حكمة
قبل خروجه إلى الحج تحدث رضوان الحسيني عن إدراكه لحكمة الله في موت أولاده:
"و لكنه استرده لحكمة اقتضتها مشيئته، فهو لا يفعل شيئا إلا لحكمة، و الحكمة خير، فقد أراد ربي به و بي خيرا، و سرعان ما غلبني السرور بإدراك حكمته على حزني، و لسان قلبي يقول: ربي لقد وضعتني موضع البلاء لتختبرني و ها أنا ذا أجوز امتحانك ثابت الإيمان، ملهما حكمتك، فاللهم شكرا".
وقال:
"إن المصابين في هذه الدنيا هم أحباب الله و أولياؤه، خصهم بحب مقتنع"
الخيبة
في الحانة رمى عباس الحلو حميدة بزجاجة جعة أصابت وجهها ففتك به الجنود
الإنجليز المحيطين بها حتى قُتل.