هاتف من الأندلس للشاعر و الأديب المصري علي الجارم (1881-1949)
هي رواية تاريخية صدرت في 1905. يضم الكتاب 199 صفحة. تدور أحداث القصة في فترة
متأزمة من الحكم العربي الإسلامي في الأندلس و هي فترة الطوائف التي انقسمت فيها
البلاد إلى دويلات تتصارع. في سنة ثلاث و عشرين و أربعمائة كانت قرطبة تروعك
بجمالها الباهر، كان يحكمها أبو الحزم ابن جهور و ابنه الوليد. و كانت في تنافس مع
اشبيلية التي يحكمها بنو عبّاد. تدور أغلب الأحداث في قرطبة و فيها الشاعر ابن
زيدون و ولادة الشاعرة بنت الخليفة المستكفي، إلى جانب شخصيات أخرى مثل نائلة
الدمشقية صديقة ولادة و ابن عبدوس الوزير الشاعر.
في القصة صراع من أجل حب ابن زيدون، دسائس و
مكائد الحاسدين، و أعمال جوسسة بين دويلات الأندلس و بين العرب و الإسبان. يتخلل
النص مشاهد وصفية غاية في الروعة للمجد الغابر لقرطبة تظهر فيها براعة الكاتب في
إتقان اللغة العربية. كما يذكر الكاتب أبياتا شعرية أغلبها لابن زيدون.
ابن زيدون يترك عائشة و يتقرب من ولادة في قرطبة، في كتاب هاتف من الأندلس لعلي الجارم
قرطبة هي "عروس المدائن و أم قرى
الأندلس"، هي الحسناء الفاتنة بقصورها و مساجدها ومعاهدها و بساتينها و
أسواقها. نشأ فيها أحمد أبو الوليد بن زيدون في بيت نعمة و ثراء و أدب. درس الأدب
و أتقن الشعر. فيها أيضا ينتصب قصر
الخليفة المستكفي الذي ورثه أبا عن جد و الذي تشهد أحجاره على العظمة و السلطان.
استقبلت فيه ولادة بنت المستكفي نائلة الدمشقية و هي العليمة بأخبار قرطبة و
المحتكة بالوزراء و الأعيان. حدثتها عن ابن عبدوس الوزير و الشاعر الذي كان يزور
ندوة ولادة بكثرة، و حدثتها عن أخبار المدينة. و من بين الأخبار أن ابن جهور ينوي
تنصيب ابن زيدون كوزير.
حرّضت نائلة ابن زيدون على هجر عائشة بنت
غالب. لمّا كان ذلك علمت نائلة بطريقة ما أن عائشة تنوي الانتقام منه برسائل سخرية
كتبها عن ابن جهور ستضعها بين يديه.
سعت نائلة لوصل ولادة بابن زيدون فدعت في
قصرها وزراء و شعراء و منهم ابن زيدون و ابن عبدوس و مريم العروضية و ولادة. في
السهرة أنشد الشعراء أجمل أبياتهم و لم يخل المجلس من النقد. أما ابن زيدون فقد
فُتن بولادة و صار هائما يتمنى الزواج بها.
أفاق ابن زيدون بعد الليلة عند نائلة على خبر
قدوم أعوان ابن جهور لاصطحابه فشك أن لعائشة يد في ذلك. و لكن فوجئ بابن جهور يعيّنه
وزيرا. و في نفس اليوم تمكنت نائلة بحيلة ذكية أن تحصل على الرسائل الخطيرة التي
كتبها ابن زيدون من خزانة عائشة، فأعطتها له ليحرقها.
ابن زيدون بين الرخاء و مكائد الحاسدين
عاش ابن زيدون في هناء و دلال، سعد بحبه
العذري لولادة التي قبلته خطيبا، و أشاد به ابن جهور فعلا شأنه. تغنى في شعره بحبه
الكبير و هجا فيه الحاسدين. كان ابن عبدوس أشد الناس حسدا له، و ذلك من جانب حب
ولادة و من جانب القرب من ابن جهور فأرسل إليه جاسوسا.
حكمة:
"إن الغبي يفكر في كل كلمة، و يقدر لرجله موضعها قبل كل خطوة، لأنه قليل الثقة بالنفس، حذر من أن يكون رميّة جهله، أما الذكي المتقد، فمتوثب جوال، يجري وراء البديهة، و يقتنص فرص الارتجال، و يرمي بالكلمة لا يبالي أين رماها، و يدع بالرأي في جرأة و اعتزاز"
وشى الجاسوس للأمير ابن الجهور بابن زيدون
الذي مدح أميرا غيره و هو المظفر صاحب بطليوس. فصار ابن الجهور منصرفا عنه. ثم
أطنب ابن الأمير في إقناع أبيه بخصال ابن زيدون و بضرورة تجاهل الوشاة و الدساسين.
تم
تناقل خبر عزم أمير طليطلة المأمون ابن ذي النون الهجوم على قرطبة، فعبر ابن زيدون
عن حسرته على الماضي المجيد أيام عبد الرحمان الناصر و عهد الناصر لدين الله و
ابنه الحكم المستنصر بالله.
أما ابن عبدوس فقد وصلته من ولادة رسائل لصده
عنها فدعا نائلة أن تتوسط بينه و بينها لترضى به صديقا.
اجتمع نفر عند عائشة و منهم ابن المكري و هو
منافس لابن زيدون اختار ألا يجاهر ببغضه له فبسط وجهه له و صار له خلا يظهر
الصداقة و يخفي العداء. كان المجتمعون يسعون لحيلة للإيقاع بابن زيدون في يوم دعوة
له عند ابن المكري. نجحت الحيلة و آل الأمر إلى أن سُجن ابن زيدون فرأى الأمير أن
الوشايات التي كانت تصله ضد ابن زيدون كانت صحيحة. ظن بعض القرطبيون أن في الأمر
مكيدة تهدف للاستيلاء على إشبيلية.
عائشة منفية في قشتالة
أقدمت نائلة و ولادة على ابن جهور للدفاع عن
ابن زيدون فظلّ متمسكا برأيه. كان الشاعر المسجون متمسكا بالحياة، لا ييأس، ظل
يبعث للأمير قصائد في الرجاء و الاعتذار، فلم تلق قبولا. تمكنت نائلة من الإيقاع بعائشة
لتنتقم منها إذ صارت منفية في قشتالة، و بعثت نائلة برسالة لابن زيدون لتخبره
بالأمر. تمت مكيدة نائلة بربط صلة بأسبيوتو و هو شاب إسباني يدرس الطب عند ابن زهر
الذي دعته يوما ولادة بحضور نائلة. كان أسبيوتو يعمل جاسوسا ينقل الرسائل من عائشة
إلى ملك الإسبان.
نزلت عائشة مدينة برغش بقشتالة فقصدت ملكها
طالبة الحماية و الانتقام من ابن جهور. ففسر لها أن الحكام العرب لاهون في الخمر و
النساء و الشهوات و ذلك سيذهب بشوكتهم. و أمر لها بدار تقطن بها و مال.
عودة عائشة إلى قرطبة، في كتاب هاتف من الأندلس لعلي الجارم
يوما أقبل عليه رسول من طرف كبير جواسيسه
بقرطبة، راميريز، يقول أن ابن عباد ملك إشبيلية يعتزم الإغارة على قرطبة و هو يريد
من ملك قشتالة أن يحالفه. فكلف عائشة، و اسمها الجديد روزالي، أن تسافر إلى قرطبة
لتعطي ابن المرتضى الأموي، و هو بقية من ولد الناصر، رسالة تحثه على مساعدته فهو
يسعى منحه عرش قرطبة. و رأت روزالي فرصة لها للانتقام.
وصلت قرطبة فتنكرت في زي بدوية. لمحت شيخا
شكا لها كثرة الفتن و عبث القرطبيين. كما أخبرها بنبأ القبض على ابن المرتضى من
قبل ابن الجهور. التقت براميريز الذي وشى بابن المرتضى فغضبت عليه روزالي فذلك لا
يخدم مصلحة الإسبان.
ابن زيدون في إشبيلية ثم في قرطبة، في كتاب هاتف من الأندلس لعلي الجارم
أما ابن زيدون فقد تمكن من الهروب من السجن
بفضل حيلة بمساعدة ولادة. لجأ إلى دار حمدانة ابنة خال نائلة. عملت روزالي على
البحث عنه باستخدام عميل لها عثر عليه بفضل علاقته بجارية ولادة. رفض ابن زيدون حب
عائشة فوشت به فقبض عليه فوشى بها. ولكن تم إطلاق سراحه فقد عفا عنه ابن جهور قبل
موته، و عاد لوصال ولادة و إلى منصبه و مجده.
فكر ابن زيدون في ضرورة توحيد العرب لكي تعود
الأندلس لسالف مجدها أيام عبد الرحمان الداخل و الناصر.
حكمة: "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"
ففكر في بني عباد في إشبيلية و سافر إليها مع
وجود الحاسدين يتربصون حركاته للإيقاع به. قصد المعتضد ابن عباد فمدحه في قصيدة
أعدها لذلك فخصص له المعتضد دارا و عاش في كنفه. كتب ابن زيدون في إشبيلية قصائد
هيام بذكرى ولادة و حنين، كما كتب قصيدة حزن على موت نائلة. كما أبى البوح للمعتضد
برغبته بتوحيد دويلات العرب بالأندلس لأنه كان رجلا جبارا متكبرا. بعد موته، تولى
ابنه المعتمد الحكم و كان ابن زيدون يحضا عنده بمنزلة رفيعة فاقترح عليه الانقضاض
على قرطبة فكان ذلك. هناك التقى ابن زيدون بولادة بعد سنوات من الفراق و لقي حتفه
فيها.